189

بلغت حرارة الشمس أوجها ثم أخذت تتراجع. وتسليت حينا بمطاردة ذبابة حطت على صينية الأمس. وأخيرا سمعت صوت المفتاح يدور في القفل. وانفرج الباب عن الحارس العجوز.

أشار لي بالخروج فأذعنت. ولم أكد أخطو خارج الغرفة حتى شعرت بوجود آخر. وقبل أن أتبين وجهه، امتدت عصابة من القماش على عيني، وأحاطت برأسي ثم دفعتني يد في ظهري فتقدمت متعثرا إلى الأمام. وأمسك أحدهم بذراعي وجرني جرا في الطرقة الطويلة، ثم صعدنا درجا وعاودنا السير، ثم هبطنا درجا طويلا. وبدا لي أننا نمضي نفس الطريق الذي جئت منه أول مرة. وتأكد ظني عندما شعرت أننا خرجنا إلى الطريق.

كان ثمة محرك سيارة يطن على مقربة. ودفعتني يد إلى الأمام صوب مصدر الصوت، ثم ضغطت على كتفي وأجبرتني على الانحناء. واصطدمت ساقي بحافة معدنية. وفي اللحظة التالية كنت أستقر في مقعد السيارة بين حارسي.

انطلقت السيارة بسرعة عادية. وبعد قليل تضاعفت سرعتها، ثم شممت رائحة البحر. وسمعت أحد الجالسين يقول: هون.

توقفت السيارة، ولم يتحرك أحد. وأشعل الجالس إلى يميني سيجارة. وتردد صوت مشعل السجاير أكثر من مرة، ثم امتلأت السيارة بدخان السجاير. ولم ينبس أحد بكلمة.

كان الهدوء شاملا، بدا أننا في مكان غير مطروق. وخيل إلي أني التقطت صوت سيارة على مبعدة، فأصغيت السمع. ومر بعض الوقت قبل أن أميز الصوت. وأخذ يعلو تدريجيا إلى أن توقف بالقرب منا. وتحرك الجالس إلى يساري ففتح الباب المجاور له وغادر السيارة. ابتعد وقع خطواته ثم تلاشى. وعاد بعد قليل فأمرني بالخروج.

أمسكني من ذراعي وأنا أخطو إلى الخارج. ومضى بي بضع خطوات ثم وقف. وما لبث أن أطلق سبيلي. وسمعت وقع أقدامه يبتعد في الاتجاه الذي جئنا منه.

دق قلبي بعنف. وفكرت أن أمد يدي وأخلع العصابة، لكني لم أجرؤ، ثم سمعت محرك السيارة التي جئت فيها يدور. وفكرت أن أجري أو أرتمي على الأرض، ثم سمعت السيارة تنطلق مبتعدة.

اقتربت مني عدة أقدام ثقيلة متمهلة. وامتدت يد إلى عصابة عيني فرفعتها.

أغمضت عيني وفتحتها عدة مرات، قبل أن أتبين الرجل الذي وقف أمامي. كان ممتلئ الجسم، أنيق الملبس ، يضع على عينيه نظارات سوداء.

अज्ञात पृष्ठ