اقترب أحدهم منا وأراح مدفعه على حافة النافذة، ألفيته صبيا صغير السن، لم يكد شاربه يتجلى. تأملني في إمعان، ثم تحول إلى السائق وشرح له الطريق.
قال ونحن نستأنف السير: هادي الشوارع كلها مثل بعضها.
قلت محاولا تقليد اللهجة اللبنانية: باين عليك ما بتعرف شوارع بيروت منيح. - نحنا جينا من الجنوب في الثمانية وسبعين بعد الغزو الإسرائيلي.
خرجنا إلى شارع الحمرا. وتبينت السينما بعد لحظات، فطلبت منه أن يدخل الشارع المجاور لها. وتعرفت على الفندق الذي أقصده بصعوبة ؛ إذ كان الظلام يلف كل شيء.
استوقفته وغادرت السيارة، ثم استدرت لآخذ حقيبتي وكيسي، فألفيت يده تجوس داخل الكيس، انتزعت الكيس منه في عنف وأنا أقول: يا أخي عيب.
غادر مقعده صامتا ورفع باب الصندوق الخلفي، ثم أخرج حقيبتي ووضعها على الأرض.
أحصيت ثلاثين ليرة ثم أضفت إليها خمس ليرات وأعطيتها له، فوضعها في جيبه صامتا وانطلق بسيارته. حملت أشيائي وعبرت الطريق.
كانت ردهة الفندق تضيئها أنوار خافتة. وتناثر عدد من الشبان على مقاعد جلدية متآكلة. وكان بينهم بعض المسلحين.
عاملني موظف الاستقبال دون حماس. وطلبت أرخص غرفة بحمام، فأعطاني واحدة بأربعين ليرة في الليلة. وحمل شاب صغير السن حقيبتي في تثاقل وصحبني في مصعد إلى الطابق الرابع، ثم تقدمني إلى غرفة ضيقة للغاية، امتد بساط ممزق فوق أرضها.
أعطيته ليرة فأخذها بغير اكتراث. وأغلقت الباب خلفه بالمفتاح، ثم انحنيت على حقيبة الملابس ففتحت قفلها، ورفعت غطاءها وأملته على الأرض. ركعت على ركبتي وتحسست بطانة الغطاء بأصابعي، ثم جذبت إطارا رفيعا من الجلد يدور حول محيط الغطاء. واستسلم الإطار لأصابعي؛ فانفصل عن الغطاء كما يفعل الشريط اللاصق.
अज्ञात पृष्ठ