بصقت: مؤامرة. - مؤامرة؟!
هز رأسه خجلا متحسرا. - صحيح ... أين العالم؟ ما خارج الحصار، الناس في طرقات المدن، العواصم. - لا شيء سوى القصف الذي التهب من جديد، وجاء هذه المرة عبر البحر.
سمعت عبر السلم الحلزوني دقات أرجل لبنات ثلاث نازلات مسرعات، عرف فيما بعد أنهن بناتها، حين اندفعن داخلات وهن يلعن خبر وصول المليشيات الغازية للتفتيش: ماما ماما وصلوا.
ولدهشته حين رأى الأم الشابة ثابتة في وضعها، فلم يرمش لها جفن، حتى إنه حاول الاقتراب أكثر منها لاستطلاع سبب ثباتها المريب ذاك الذي لم يقطعه سوى محاولة كبرى الشقيقات الاقتراب من الأسلحة، عندئذ انتفضت الأم واقفة بجذعها النحيل، شاهرة ذراعها، مانعة ابنتها من لمس السلاح: حذار ريما حذار. كل شيء مكانه. واتجهت ناحية باب مدخل الشقة - البدروم - وفتحته على مصراعيه. - تعالوا.
حين ازدادت ربكته تفجر منه العرق مدرارا.
كبت في نفسه رغبة قوية في الانسحاب، العودة من حيث أتى. - إلى أين؟
ربط بين البنات من جانب، والأم في غلها من جانب مقابل، وتقدم منها محاولا من جديد إقناعها بتمشية الحال، والتصرف على عادة ما اتبعه الناس في بيروت منذ الرحيل الدامي للمقاتلين، وخلو الجو لهم ليبيضوا ويصفروا بعد أن اقتحموا المدينة عقب رحيل حراسها ومقاتليها، وفي أعقابهم فلول القوات المتعددة الجنسيات، فالكل هنا أسلم سلاحه أو أخفاه، أو حتى مجرد التخلص منه بإبعاده في الزبالة التي شكلت بدورها حصارا عما يشكله الغزاة المدججون بأقذر الأسلحة وأحدثها، بدءا بالنيران، مرورا بالنيترون والفسفور، وانتهاء بالجراثيم والطواعين.
أصبحت الزبالة بدورها تشكل حصارا، أكواما في الخرائب والساحات ومفارق الطرق ومداخل البنايات، وحتى الحدائق العامة لم تسلم منها.
ظلت عبر أيام الحصار تنمو وتتراكم، خاصة بعد أن أعلن الغزاة عبر مكبرات الصوت والراديو والمنشورات التي كانت تلقي بها الطائرات من فوق الرءوس، بالاستسلام وإلقاء السلاح.
وبإزاء الوضع والتهديد المتواصل، أخرجت المدينة عبواتها من سلاح ومتفجرات وبارود، ملقية به في الزبالة والنفايات.
अज्ञात पृष्ठ