बयना जज़्र व मद्द
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
शैलियों
وفي هذا صعوبة موقفنا وكثرة ارتباكنا وتهافتنا أحيانا على ما هو بالإعراض أحرى، في حين نطرح الطرفة الفنية المنيلة قوتا وتثقيفا وصقلا.
3
في فصل الشتاء تكثر عندنا الحفلات الموسيقية الوترية والغنائية، ولقد حضرت أخيرا حفلة كانت كلها مكرسة لتوقيعات كلود دبسي الشاب الذي أبدع في الموسيقى الفرنساوية العصرية، وهو اليوم مع ملحني الروس رائج بين هواة الموسيقى، لا سيما منذ وفاته؛ لأنه بعد أن سكب شبابه الغض أنغاما مضى، فهو يمثل في نظري الدور الذي مثله كيتس أو شلي في الشعر الإنجليزي .
في موسيقى دبسي تهب حينا بعد حين لفحة من جونا، أو تئن روح الشرق الحزينة، وقد بدا بعض ذلك في قطعة موسومة باسم «سهرة في غرناطة» سمعتها في الحفلة المذكورة موقعة على البيانو أحكم توقيع. لم يخلد الملحن في كل تأليفه هذا إلى جو الأندلس الذي تلاقت في بيانه الفني أرواح الغزاة من: العبرانيين، والقلت، والفينيقيين، واليونان، والقرطاجنيين، واللاتين، والقوط، والعرب، ولا تغلب على شتيته المنظم النغمات ذلك الطابع الشرقي ذو الحماسة الكئيبة الذي نستجليه في معظم ما نسمعه من الموسيقى الإسبانية، بل هو استسلم لأثر الموسيقى الأوروبية المتعارضة أنغامها بالعناصر الوصفية والذهنية والتصويرية في تساوق الألحان
harmonie
لمسايرة اللحن الأساسي وهو بنغم
mélodie . استسلم لذلك وعبر عنه بأسلوبه الأركستري بعد تكييفيه بطبيعته الفنية ونبوغه الطروب، إلا أنه ظل يعود دواما ويعود أبدا بعد كل وثبة وكرة وفرة إلى ذلك القرار، الذي تئن فيه كآبة الشرق السحيق، وتتنغم منه الزفرات والآهات على وقع خرير المياه من نوافر المرمر الشفاف، في ليل قصر الحمراء المثقل جباه الملوك والأمراء بوسم المجد وأحلام الغرام.
أظن أن من أنفع ما يستوحيه ملحنونا الشرقيون هو هذه الحفلات الموسيقية تعزف فيها ألحان الغربيين الذين بين أرواحهم وبين الروح الشرقية قرابة.
لأن هذه القرابة موجودة في الفن والأدب والموسيقى والفلسفة. فإن إدجر آلن بوو مثلا، وموسه وبايرن ودانتي وهايني وشكسبير كذلك، أقرب ما يكونون إلينا، بينا ملتن وتاين ولافونتن وكاردوتشي ورسكن وأوهلند أبعد ما يكونون. بتلك القرابة نستوحي الموسيقى التركية والفارسية والأرمنية واليونانية الحديثة والبلقانية، لا سيما الهنغارية التي يسهل الاقتباس منها مباشرة، ففيهن جميعا شيء من ذلك الحث المهيج تلازمه النهفة الحزينة الجوهرية في الروح الشرقية، ونجد مثل ذلك في الموسيقى الروسية؛ كموسيقى: روبنشتاين، وجلنكا، ورخمانينوف، وأرنسكي، وليادوف، وجريج النروجي. فعند هؤلاء وغيرهم نجد من الانفعال والشجن والبث والكآبة ما يجعلنا وإياهم في جو واحد من الطرب.
ولكن صونوا كرامة الطرب أيها الأساتذة، ولا تسجلوا علينا أشباه حكاية الكوكاين. لا تجدد لموسيقانا بهذه الدندنة التي تدعى
अज्ञात पृष्ठ