अफ्रीकी शेर और इटैलियन टाइगर के बीच: इटैलियन इथियोपियन समस्या पर एक ऐतिहासिक, मानसिक और सामाजिक विश्लेषणात्मक अध्ययन
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
शैलियों
والفرق بين الفيلسوف والزعيم هو أن الفيلسوف كثير التأمل، والتأمل يؤدي إلى الشك، والشك ينتهي بصاحبه إلى السكون دون الحركة؛ لأن الحركة لا تصدر إلا عن تصميم الإرادة، وهذا لا يكون إلا ثمرة لليقين. أما الزعيم فلا يتأمل ولا يشك، وحينئذ لا يركن إلى السكون، بل يدفعه عدم التأمل إلى التصميم فالحركة.
وإذن تكون قوة الإرادة للزعيم أنفع من سلامة الرأي، وصدق النظر، وحسن التبصر في العواقب، ولكن الذي يفقدونه من تلك الناحية تعوضه عليهم قوة اعتقادهم في سلطانهم على الجموع. وتلك الجموع لا تصغي إلا لذوي الإرادة القوية الذين يتسلطون عليها، ويملكون زمامها، فإذا ما أصبح صوت الزعيم مسموعا من جماعة، اندمجت إرادتها في إرادة الزعيم وتناست شخصيتها، والتفت حول الزعيم ذي الإرادة المتحدة.
وأول ما يصنعه الزعيم هو أن يخلق المعتقد في النفوس، سواء أكان المعتقد سياسيا أم دينيا، ولكن هذا المعتقد الذي يخلقونه في نفوس الجموع يكون دائما قد نشأ وترعرع ونبت ونما في نفوسهم. وأصحاب العقائد الجليلة لم يستطيعوا جذب القلوب إليهم إلا بعد أن ترنحوا هم بتأثير الفكرة التي أرادوا انتشارها، فأوجدوا بقوة إرادتهم قوة التصديق التي هي الإيمان، ومن كان مؤمنا زادت قوته أضعافا، فالإيمان قوة عند الزعيم، وقوة عند الأتباع من المؤمنين بصدق الزعيم.
ولا تخلو أمة من الأمم في وقت من الأوقات من القواد، غير أنهم جميعا ليسوا من أهل الإيمان الصادق الذي يرتقي به صاحبه فيصبح رسولا في أمته، ومبعوثا لبني جنسه، بل إن منهم رجالا يحسنون القول، ويتقنون الدعاية لأنفسهم، ولا يلتمسون الزعامة إلا سعيا وراء منافع أشخاصهم، فيوقظون في أخلاق الأمة مراكز الشهوات ومشاعر الأهواء؛ ليكسبوا رضاء الطبقات النازلة، وقد تتسع دائرة نفوذهم، وتنمو قوتهم، ولكن أعمار أمثال هؤلاء الزعماء قصيرة، وأعمالهم سريعة الزوال.
إن الزعامة في أول أمرها لا تحتاج إلى الاستبداد، والمشاهد أن الذين قاموا بكبريات حوادث التاريخ أفراد من المؤمنين الضعفاء الذين لم يكن لهم حول ولا طول سوى العقيدة، سوى الإيمان! ولكن متى وصل الزعيم إلى غايته احتاج إلى الاستبداد ليحتفظ بها.
لا ننكر على الفريق الأول مظاهر الحدة والشجاعة والإقدام؛ ولذا تراهم سكارى بفكرتهم، قد أطاعوها فامتلكتهم قبل أن تمتلك أتباعهم، وتراهم يجذبون الجماهير كما يجذب المغناطيس الحديد، فتترامى الدهماء والعامة في أحضانهم، ويعتنقون مذاهبهم بدون تأمل أو تفكير ... ولو كانوا محاربين، فإن الجيوش تنقاد لهم انقيادا أعمى، وقد يكون بين رجالهم وقادتهم من هم أقدر منهم، وأكفأ في فنونهم، ولكنهم لا يكادون ينتهون مما ندبوا أنفسهم له حتى تتوارى تلك المواهب، ويدخلوا في الصفوف كبقية الخلق.
والفريق الآخر قد يكون أفراده أقل فخامة وأبهة في الشكل والمظهر، ولكنهم أدق تكوينا، وأوسع دائرة، وأقوى نفوذا؛ لأن لهم موهبة الدوام.
اعتماد الزعماء على الخطابة وتثبيت دعوتهم في الأذهان
ويعتمد الزعماء جميعهم في تبليغ دعوتهم على الكلام والخطابة والكتابة، وكل زعماء العالم اشتهروا بالفصاحة وقوة التأثير في الجماهير، ومنذ عهد سقراط إلى يومنا هذا مرت العصور بزعماء ملكوا زمام أتباعهم بقوة الكلام، حتى إن الأديان المنزلة بعثت لها العناية بأنبياء فصحاء حكماء، وزودتهم بكتب منزلة. وحتى موسى - عليه السلام - طلب من الله أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله.
وكانت عمدتهم على تكرار جوامع الكلم لترسخ في أذهان سامعيها، وإذا أنت رجعت إلى خطب زعماء الشعوب فلا تجد إلا المعاني نفسها قد أفرغت في قوالب شتى؛ وذلك لأنهم يعلمون بغريزتهم وإدراكهم الباطني أن التكرار يترك أثرا عميقا في أذهان الخاصة والعامة على السواء، وكما ينتقل الفكر من عقل الزعيم إلى عقل السامع؛ فهو يثبت ويرسخ؛ لأن ذاكرة السامع تتشبث به.
अज्ञात पृष्ठ