وأمسكت أمينة عن تناول طعامها في اهتمام جدي فلازمت الفتاة الصمت قليلا لتستأثر بأكبر قدر من الاهتمام حتى تمتمت الأم: اللهم اجعله خيرا.
وقالت عائشة وهي تغالب ابتسامة: لم أكن أنا الشخص المجهول الذي دفعك ... أليس كذلك؟!
وخافت خديجة أن يفسد الجو بالمزاح، فصاحت بها: إنه حلم وليس لعبا فكفي عن هذرك ... (ثم مخاطبة أمها) هويت صارخة، ولكني لم أرتطم بالأرض كما توقعت بل وقعت على جواد، حملني وطار.
وتنهدت أمينة في ارتياح كأنما أدركت ما وراء الحلم واطمأنت إليه، وعادت إلى طعامها مبتسمة، ثم قالت: من يدري يا خديجة؟ ... لعله العريس!
لم يكن يباح الكلام عن «العريس» إلا في هذه الجلسة، وفي إيجاز بالإشارة أشبه، ووجب قلب الفتاة الذي لم يكربه شيء كما أكربه أمر الزواج، وكانت على إيمان بالحلم وتأويله، بحيث وجدت لكلام أمها سرورا عميقا، بيد أنها أرادت أن تداري حياءها بالسخرية كعادتها - ولو من نفسها - فقالت: أتظنين الجواد عريسا؟ ... لن يكون عريسي إلا حمارا.
فضحكت عائشة حتى تطاير نثار الطعام من فيها، ثم خافت أن تسيء خديجة فهم ضحكتها فقالت: لشد ما تظلمين نفسك يا خديجة! ... ما فيك من شيء يعاب.
فحدجتها خديجة بنظرة تنم عن الحذر والشك على حين راحت الأم تقول: أنت فتاة نادرة المثال، من يضارعك في مهارتك أو نشاطك؟ ... وروحك الخفيفة ووجهك اللطيف؟ ماذا تريدين أكثر من هذا؟
فمست الفتاة بسبابتها أرنبة أنفسها وتساءلت ضاحكة: ألا يسد هذا طريق الأزواج؟
فقالت الأم مبتسمة: كلام فارغ ... ما زلت صغيرة يا بنية.
وتضايقت لذكر الصغر لأنها لم تكن تعد نفسها صغيرة بالقياس إلى سن الزواج، وخاطبت أمها قائلة: لقد تزوجت يا نينة وأنت دون الرابعة عشرة.
अज्ञात पृष्ठ