أما لماذا اقترحت أنا أن نذهب إلى البيت، فالسبب في هذا لا يمت إلى العقل بأية صلة؛ فقد كنت أحس بطريقة ما أن سانتي ستحضر إلى البيت متذرعة بأية حجة، وفي هذه الحالة يستحسن أن تأتي لتجدني مع لورا، ولنر ما يحدث لها حينئذ، وهل يا ترى ستظل على ثباتها وبرودها؟
كان شيء كهذا مستحيل الوقوع؛ لأني لم أكن أعتقد أبدا أن سانتي قد اهتمت بحكاية دروس لورا، وحتى لو كانت قد اهتمت، فهل يبلغ بها الاهتمام حد أن تكلف نفسها الحضور في الليل إلى بيتي لتطمئن على أن جلستي مع لورا مجرد جلسة درس عربي؟ خاصة وأني قلت لها إني لن ألقاها لأني سأكون مشغولا مع لورا؟
قطعت مع لورا شارع الجزيرة إلى الزمالك، وأصبحنا قريبين جدا من البيت حتى لم يبق بيننا وبينه إلا بيتان أو ثلاثة.
وفجأة سمعت من يقول: يحيى. وغمرتني فرحة طاغية؛ فليس في العالم كله إلا لسان واحد يستطيع أن ينطق اسمي بكل تلك العذوبة حتى أكاد لا أصدق أنه اسمي. كانت سانتي. والتفت فوجدتها واقفة أمام مدخل البيت المقابل لبيتي ومعها راقية زوجة شوقي، ولم أفهم شيئا بادئ الأمر، ومع هذا كنت فرحا إلى درجة لا أريد معها أن أفهم شيئا.
وتبادل أربعتنا التحية، ووقفت أنظر إلى البيت المقابل وراقية زوجة شوقي ولورا، ومدخل دكان البقالة الوحيد في الشارع وقد ازدحم بعدد من الناس، والعربات المارة، والبلكونات المهيبة الساكنة، ولا أنظر إلى سانتي. ومع هذا فلم أكن أرى شيئا أو كائنا غيرها، ولم أهتم حتى بسماع ما تقول. كنت قد اكتفيت بإحساسي أنها قد جاءت كما توقعت، ورغم أن أول كلمة قالتها كانت: هل رأيت شوقي؟ وحين سألتها: لم؟ قالت بطريقتها المستعجلة المتحمسة إنه لم يعد إلى البيت منذ الصباح، وإن راقية كانت تبحث عنه وقابلتها صدفة، وإنهما رأتا أن تسألاني عنه؛ ولهذا جاءتا وصعدتا إلى الشقة، ولكنها كانت مغلقة ولا أحد بها، فوقفتا في ذلك المكان تنتظران قدومي.
كانت سانتي هي التي تتحدث، وكلامها يغلفه الحماس والرغبة في إخفاء شيء وتبرير موقف، حتى لو كان موقفا من الصعب تبريره. لماذا تنتظراني أمام البيت؟ ومن أدراهما أني قد أجيء؟ مع أن وقوفهما في الشارع ليس بالأمر المستحب؛ فالشارع من الشوارع الصغيرة القليلة الحركة الذي يعتبر وقوف سيدتين أو فتاتين فيه في الليل على هذه الصورة مسألة تدعو إلى النظرات المريبة والتعليقات والمعاكسات، قلت هذا لسانتي فأجابتني: ولكني كنت عارفة أنك ستأتي في الثامنة.
قلت: وكيف عرفت؟
قالت بنفس حماسها: أنت قلت لي، ألم تقل إنك ستقابل لورا في الثامنة؟
ومرة أخرى أحسست بجسدي مقشعر بالنشوة، لا لأنها قالت ما قالته، ولكن لأني أنا نفسي كنت قد نسيت أني أخبرتها بأني سأقابل لورا في الثامنة، ومعنى أن أكون قد نسيت أنا شيئا قلته لها وأنها هي تذكره، أنها مهتمة بكلامي أكثر من اهتمامي أنا به، ثم أن يكون هذا الكلام متعلقا بلورا وتذكره هي وأنساه أنا معناه أن البريق الذي لمحته في عينيها كان بريقا حقيقيا ولم تخدعني عيناي فيه.
ولم أتصرف وكأني صدقت حرفا واحدا مما قالته سانتي؛ فقد كان عملي مثلا أن أتطوع وأنضم إليهما ونبحث جميعا عن شوقي، ولكني اعتقدت أنها إحدى غيبات شوقي الكثيرة، وأن راقية كانت فقط تحاول أن تعرف مكانه، ولولا اهتمام سانتي بالبحث عنده لما كلفت نفسي عناء الحضور. وعلى هذا ابتسمت في خجل ودعوتهما للصعود معي دعوة مجاملة، ولكنهما قالتا إنهما تؤثران معاودة البحث عن شوقي.
अज्ञात पृष्ठ