قلتها بطريقة تمثيلية هازلة، مع أني كنت أتألم لمجرد أني مضطر لأن أسخر من هذه الكلمات نفسها.
وسكتت وابتسمت ابتسامة لم أعرف كيف أفسرها.
وبدلا من أن أبكي جذبتها إلي بعنف فقاومت، فأمسكتها بكل قواي ولم تتملص، ربما من شدة الألم. كانت الصالة نصف مظلمة لا يضيئها سوى النور الآتي من لمبة المكتب في الحجرة. الشيء الوحيد المضيء في الشقة كلها، وبين ذراعي كانت سانتي صغيرة دقيقة، لو ضغطت عليها قليلا لتكسرت قطعا، ولكني كنت أقبلها عددا لا نهاية له من القبلات، ومن يرانا هكذا يظننا حبيبين قد أوصلهما الغرام إلى الذروة، وما كان أبعدني عنها وأبعدها عني لا لأنها كانت تقاوم؛ فالحبيبة قد تقاوم، ولكن لأن مقاومتها كانت مقاومة إنسانة غريبة غير منفعلة، ولماذا ألومها؟ هذه الرغبة التي نشبت في صدري فجأة لأحتضنها لم تكن رغبة في عمل شيء كهذا بقدر ما كانت رغبة في الاحتفاظ بها وإمساكها عن أن تنزلق. كنت قد بدأت أحس أنها تنزلق بعيدا عني، تنزلق بطريقة لا يمكن إيقافها، وأنا واقف أشاهد هذا الانزلاق ولا أستطيع منعه.
ولكني فوجئت، هكذا كما تحدث المعجزة كما ينشق القمر أو تغيب الشمس في أثناء النهار، فوجئت حين شبت سانتي على أطراف أصابعها وقبلتني قبلة سريعة خاطفة وهي تقول: من تظنني؟ هل أنا قطعة خشب لا تحس؟
ومن هول فرحتي لم تشلني المفاجأة أو توقف تفكيري، ولم يعد مهما عندي إن كانت قد قبلتني لأن حماستي أعدتها أو لأن الموقف أثارها أو لمجرد عطف انتابها. المهم أنها قبلتني قبلة لا طعم لها ولا عاطفة فيها، ولكنها قبلة منها.
واحتضنتها بشدة وقد دبت في جسدي رغبة عارمة مشبوبة، وبدأت تبكي وتقول: كنت أعتقد أني لن أتأثر، ولكنك هوستني بحبك لي، أخذتني من حياتي ومن نفسي، وأنا أحب حياتي وأحب زوجي وأنت صديق، صديق فقط، ولكنك أعز صديق، لا شيء غير هذا، لماذا أنت مصر على أن أحبك، لماذا؟
وظلت تتكلم ولا تتوقف، ولكني أنا كنت قد توقفت عن سماع ما لا يحلو لي، كنت فقط أسمع ما أريد، ثم أصبحت لا أسمع وحمى الموقف قد أصابتني بالصمم.
والعجيب أني لم أحس أبدا بشيء يشبه فرحة النصر، أما هي فقد قالت: لو كنت مكانك لخجلت من نفسي.
وآذتني كلماتها وكأنها لعنات، وقلت وصدري قد امتلأ فجأة بالحقد عليها: لو كنت مكاني؟ إنك أبدا لم تحملي نفسك مشقة الانتقال إلى مكاني.
قالت في شبه صراخ: وكيف أنتقل إلى مكانك وأنا لا أحبك، ألا تفهم هذا؟ - أنت من صنف ينكر على نفسه ما يريد. - أنا لست هكذا، أنت لا تعرفني ولا تفهمني ولا أريدك حتى أن تعرفني أو تفهمني، أنا مخطئة، أنا المخطئة.
अज्ञात पृष्ठ