ولكني كنت في أثناء حديثي عنه أفكر بطريقة أخرى، لماذا تسألني عن شوقي، ربما لتخلق موضوعا للحديث، وربما لأنها لا تراه، وربما لأنها مشتاقة إليه.
وعند هذه النقطة الأخيرة بدأت ملامحي تتجمد.
وبدأت أنظر لها نظرات الزعل الخافت المستطلعة التي تريد أن تسأل ببراءة ودون أن توجه إليها تهمة السؤال.
ولم أجد في ملامحها شيئا، كل ما وجدته تعب. كانت ملامحها تبدو تعبة وكأنها لا تجد شيئا ينشطها.
وكان علي لكي أنشطها وأستثيرها أن أبدأ معها محاولة جديدة، ولكني سررت؛ فوجود البارودي في الحجرة المجاورة كان عذرا وجيها أقنع به نفسي بعبث المحاولة.
وحين آن الأوان وتهيأت لمغادرة الشقة، حرصت على أن أسألها متى ستجيء، ولم أكن في العادة أسألها، وحين أجابتني: غدا طبعا؛ استعدت إجابتها وقلت وأنا أشد عليها: لا بد أن تأتي.
وابتسمت وفتحت الباب وخرجت.
وجاء البارودي إلى حجرة المكتب وهو يستند إلى حائط الصالة ويتعرف على الباب والمقعد، ولم أشأ أن أساعده ورحت أراقبه وهو يتحسس طريقه وكأنما لأدرك من طريقته في تلمس الأشياء هل هو أعمى فعلا أم يمثل دور أعمى.
وجلسنا نتحدث وأنا أحملق فيه بعيني، وعيناه مفتوحتان إلى آخرهما تحملقان في، وأبتسم فجأة لأرى إن كانت ملامحه ستتبدل تحت وقع ابتسامتي ويكون معنى هذا أنه يراني، ولكن ملامحه لا تتبدل، ومع هذا أبقى غير مصدق أبدا أن عينيه هاتين لا تريان ... عيني ذلك الذكي الداهية الذي ما رأيت في حياتي أذكى ولا أبرع ولا أخطر منه.
قال لي، وكانت له طريقته التي لا يبذل فيها أي جهد لاستخراج أية معلومات يريدها مني، قال: هيه ... وازاي قريبتك؟
अज्ञात पृष्ठ