ألقيت السؤال وسكت أنتظر الإجابة.
وكانت الإجابة ضجة عظمى تصاعدت؛ فكل منهم مضى يجيب على السؤال بفهمه الخاص وطريقته الخاصة. ومن مئات الإجابات الصاخبة أدركت أنهم يفهمون ويقدرون، ولا يرضون أبدا بفصلي وسجني. ولكن المشكلة أنهم أيضا لا يزالون يريدون الإجازات، بل أكثر من هذا، وجدت فجوة تحدث بين المتزاحمين أمامي ويبرز منها سكرتير النقابة ويقف وقفة مستهترة ويقول: إذا كنت صادق في كلامك ده مالكش دعوة، إدينا الإجازات واحنا نحميك.
وضغطت غيظي تحت أسناني وقلت: اسمع، أنا عاملتك كصنايعي فرديت علي رد بلطجية، وبعدين عاملتك كعيان فرديت علي رد فتوات، وإذا كنت فاكر إنك لما تحتمي في زملائك وتتهجم علي تبقى جدعنة فتبقي غلطان، الجدعنة مش إن الواحد ينتهز فرصة أنه قوي ويقل أدبه، الجدعنة إنه لما يحس بنفسه قوي بزملائه يبقى مؤدب. تصرفك ده مش تصرف عمال، ده تصرف ح سيب زملاءك دول إنهم يحاسبوك عليه ويعاقبوك، أما أنك تقول إنك مستعد تحميني فتبقى أنت الكذاب؛ لأن بدل ما تحميني أنا كنت احمي نفسك وزملاءك وواجه اللي أصدر القرار وخليه يغيره ويعدله.
وطبعا لم يدعني أنطق جملة ما كاملة، ظل يقاطعني ويتحرش بي حتى أجبره العمال على السكوت، وحين انتهيت كان وجهه قد بدأ يشحب وبدأ يعد خطة التراجع، وما لبث أن طبقها في الحال وراح يصرخ في زعيق عال متواصل: أمال بس ح نعمل إيه؟ نكفر؟ مهي دي مش عيشة دي! والله الواحد يقتل له حد ويروح فيه، ح نلقاها منين وألا منين؟
وآب صراخه إلى السكوت. لم يلبث أن قطعه عامل من الواقفين قريبا من الباب حيث قال: معلهش بقى يا دكتر، إدينا إجازة المرة دي وبعدين تفرج.
ولم أتمالك نفسي وضحكت، وما لبثت ضحكات أخرى أن تفجرت في الحجرة حتى عمتها واهتزت لها جدرانها.
ولكن المشكلة - رغم الضحكات - كانت لا تزال باقية بغير حل.
والأهم من هذا أني كنت موقنا أنه لا بد أن تحل على وجه ما قبل أن ينتهي اليوم، أما ما هو ذلك الوجه فذلك هو السؤال.
14
وكنت موقنا أيضا أني بعد ساعات سأكون في حجرة مكتبي جالسا فوق ذلك المقعد بالذات، وقد انتهى اليوم وانتهت المشكلة، جالسا أسترخي وأحاول أن أنسى كل ما حدث، ورغم محاولاتي يظل ما حدث يفرض نفسه علي ويأبى أن يغادر وعيي.
अज्ञात पृष्ठ