فصل ومن الأدلة على ذلك قول الله سبحانه: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} فدل ذلك على أن في الأمر قسطا، وأن الله سبحانه أنزل كتابه وأنزل الميزان وهو العدل ليقوم الناس بالقسط الذي أنزل الكتاب لأجله والميزان، فعلم أن في نفس الأمر ما هو قسط وعدل وحسن، ومخالفته قبيحة، وأن الكتاب والميزان نزلا لأجله، ومن ينفي الحسن والقبح يقول ليس في نفس الأمر ما هو عدل حسن وإنما صار قسطا وعدلا بالأمر فقط، ومن هذا قوله تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} وقوله تعالى: {قل إن الله لا يأمر بالفحشاء} دليل على أنها في نفسها فحشاء وأن الله لا يأمر بما يكون كذلك وأنه يتعالى ويتقدس عنه، ولو كان كونه فاحشة إنما علم بالنهي خاصة كان بمنزلة أن يقال إن الله لا يأمر بما ينهى عنه، وهذا كلام يصان عنه آحاد العقلاء فكيف بكلام رب العالمين، ثم أكد سبحانه هذا الإنكار بقوله: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} فأخبر أنه يتعالى عن الأمر بالفحشاء بل أوامره كلها حسنة في العقول مقبولة في الفطر، فإنه أمر بالقسط لا بالجور، وبإقامة الوجوه له عند مساجده لا لغيره، وبدعوته مخلصين له الدين لا بالشرك به، هذا هو الذي يأمر به تعالى لا بالفحشاء.
पृष्ठ 58