فصل ومنها: أن الله خلق العقل ليدرك به المعقولات، كما خلق العين ليدرك بها المبصرات، وكما خلق حاسة الشم ليدرك به المشمومات، والسمع ليدرك به المسموعات، والذوق ليدرك به المطعومات، واللسان لينطق به، والأيدي ليبطش بها والأرجل ليمشي بها، فمن أنكر إدراك العقل للمعقولات فهو كمن أنكر إدراك الحواس للمحسوسات، قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} وقال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} فنسبة تصور قبح ماهية الظلم والكذب وغيرهما من القبائح إلى العقل كنسبة تصور ماهية المنافرات الحسية إلى الحسن، فكما أن إدراك الحواس المنافرات تقتضي نفرتها عنها، فكذلك إدراك العقل لحقيقة مثل الظلم والكذب ولا فرق بينهما، فإن جاز القدح في مدركات العقول وحكمها فيها بالحسن والقبح جاز القدح في مدركات الحواس، ومن لجأ إلى المكابرة في المعقولات فقد فتح باب المكابرة في المحسوسات.
पृष्ठ 35