قال ابن القيم: فيالله العجب كيف يجوز العقل التزام مذهب يلزم معه جواز الكذب على رب العالمين وأصدق الصادقين، وأنه لا فرق أصلا بالنسبة إليه بين الصدق والكذب، بل جواز الكذب عليه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا كجواز الصدق وحسنه كحسنه، وهل هذا إلا من أعظم الإفك والباطل، ونسبته إلى الله تعالى جوازا كنسبة ما لا يليق بجلاله إليه من الولد والزوجة والشريك، بل كنسبة أنواع الظلم والشر إليه جوازا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ومن أصدق من الله حديثا، ومن أصدق من الله قيلا، وهل كان الإفك المفترى إلا رافعا للوثوق بأخبار وعده ووعيده ، ومجوز عليه وعلى كلامه ما هو أقبح من القبائح التي تنزه عنها بعض عبيده ولا يليق به فضلا عنه سبحانه فلو التزمتم كل ذم يلزم منه الحسن والقبح العقليين لكان أسهل من التزام هذا الأذى الذي يكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، ولا نسبة للقبح بين الولد والشريك والزوجة وبين الكذب ولهذا فطر الله عقول عباده على الإزراء والذم والمقت للكاذب دون من له زوجة وولد وشريك، فتنزيه أصدق القائلين عن هذا القبيح كتنزيهه عن الولد والشريك والزوجة، بل لا نعرف أحدا من طوائف العالم جوز الكذب على الله لما فطر الله عقول البشر وغيرهم على قبحه ومقت فاعله وخسته ودناءته، ونسبت إليه طوائف المشركين الشريك والولد لما لم يكن قبحه عندهم كقبح الكذب، وكفى بمذهب بطلانا وفسادا هذا القول العظيم والإفك المبين لازمة ومع هذا فأهله لا يتحاشون من التزامه، وما أحسن قوله بعد هذا.
पृष्ठ 33