बटल फतीफ इब्राहिम
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
शैलियों
والذي زاد في حرج الموقف خطأ السياسة الفرنساوية قبل اتفاق كوتاهيه وبعده، حتى ميثاق الدول الأربع في 15 يوليو دون اشتراك فرنسا، فقد كانت تحض محمد علي على القتال وتعده بلسان مندوبها الجديد «والوسكي» بالمساعدة. ولكن هذه المساعدة ظهرت بأن يطلب محمد علي حماية فرنسا، وبأن يقف موقف الدفاع، وبأن يواري سفنه الحربية، فلا يجعلها عرضة لنيران الأسطول الإنكليزي. وكان رأي إبراهيم باشا أن يحتفظ والده بصداقة فرنسا حتى يوازن القوة الأخرى التي تؤيد إستامبول، وكان محمد علي يكرر أثناء ذلك أوامره إلى إبراهيم بأن يلزم مكانه ولا يتجاوز جبال طوروس. أما بالمرستون روح المحالفة الأوروبية، فإنه كان يهدد فرنسا إذا هي أقدمت على مساعدة محمد علي بالقوة والمال، بأن يستولي على أساطيلها ومستعمراتها، وبأن يطلق يد النمسا وبروسيا في حدودها. وأراد ليوبولد ملك بلجيكا التوسط بين فرنسا وإنكلترا، فلم يفلح. وفي 17 سبتمبر أرسل تيرس إلى غيزو سفير فرنسا في لندن أن محمد علي سمع نصح فرنسا وتنازل عن كثير من مطالبه، فهو يترك للسلطان كريد والمدينتين المقدستين، ويكتفي بحكم الوراثة في مصر وبحكم سوريا مدى حياته. ولكن بالمرستون أخذ يماطل ويعد القبول باقتراح تيرس مذلة للدول الأربع، وكان في الوقت ذاته يحث على القتال والضرب. •••
وبينما الأسطول الإنكليزي واقف في بيروت، وصلت إحدى السفن من مصر، فأمر الأميرال نابييه بتفتيش ما فيها، فوجدوا كتابا من بوغوص بك وكيل خارجية محمد علي إلى سليمان باشا، يؤكد له فيه أن فرنسا ستساعد محمد علي بالجنود، وأنها ستستدعي قنصلها مورا من بيروت؛ لأنه كان يساعد الثوار اللبنانيين، وأن قناصل الدول المتحالفة تنوي أن تذيع في سوريا ترجمة العهد المبرم بين الدول الأربع تشديدا لعزم الثوار مع إرسال الجنود والذخائر وإبلاغ الأمير بشير إزالة حكم محمد علي، وأن محمد علي أبى الرضوخ لإنذار الدول ... إلخ.
كل هذا وأمثاله دعا الإنكليز إلى التعجيل بما كانوا يضمرونه، فقرر الأميرال روبرت ستوفورد القائد العام لقوات الحلفاء في سوريا بأن يبدأ بالأعمال الحربية بالنزول في جونيه؛ ليتصل باللبنانيين ويوزع عليهم الأسلحة ويقطع الاتصال بين الحاميتين المصريتين في بيروت وطرابلس. وفي 10 سبتمبر قام الأسطول الإنكليزي بمظاهرة أمام بيروت، ثم لم تلبث السفن أن اتجهت إلى جونيه وأنزلت الجنود هناك. وكان الأمير بشير قد أرسل حفيديه إلى هناك، وحرم على الأهالي الاتصال بالإفرنج، وهدد من فعل منهم بالقتل، فوقع أمر الأمير بشير في يد أحد الدعاة الإنكليز، فأرسله إلى الأمير، وأخذ الأهالي يفدون على جونيه لاستلام السلاح، وهو السلاح المحفوظ عندهم حتى الآن. وهم يطلقون على البندقية المصرية اسم البرهومية نسبة إلى إبراهيم، وعلى البنادق الإنكليزية «إنكليزية»، والنمساوية نمساوية، والمجرية «مجرية»، وهي أفضل البنادق في نظرهم. وكان عثمان باشا يحتل كسروان بثمانية آلاف مقاتل، فلم يتعرض للأساطيل التي أنزلت الجنود إلى البر ومعها سليم باشا قائد السفن التركية، فاحتلوا ميناء جونيه. وأرسل الأميرال الإنكليزي مركبين إلى نهر الكلب لهدم الطريق حتى لا يمر بها جيش إبراهيم باشا. وذهب ريتشردوود الإنكليزي المستشرق وأكبر دعاة الثورة إلى غزير ومعه 500 جندي، ففر من وجهه الأمير عبد الله الشهابي، وفي اليوم الثاني سلم هذا الأمير وهو ابن أخي الأمير بشير، فعدوا تسليمه أمرا كبيرا. وكان إبراهيم باشا إبان ذلك يطارد الثوار في جبال كسروان والمتن ويحرق قراهم، ولكن عساكر الحلفاء كانت تثبت أقدامها في السواحل. وفي 11 سبتمبر أرسل قائدا الأسطولين الإنكليزي والنمساوي إلى سليمان باشا أن يسلمهما بيروت، فلم يجب، فأخذت مراكبهما بإطلاق القنابل على المدينة والأبراج، فاحتج سليمان باشا عليهما احتجاجا شديدا؛ لأن قنابلهما أصابت النساء والأطفال والمستشفى، وكان عليهما أن يطلبا تسليم المدينة قبل ضربها من إبراهيم باشا أو محمد علي باشا. أما هو فمأمور بالدفاع عنها فقط، ثم أمر جيشه بالارتداد إلى الحازمية في ضواحي بيروت.
وفي 12 و13 سبتمبر هاجم أسطول الحلفاء قلعة جبيل وحاول إنزال الجنود، فردتهم الحامية، ولكن الثوار اللبنانيين دخلوا القلعة ليلا، فانسحبت منها الحامية، وفي الصباح سلمها اللبنانيون لعساكر الحلفاء. ومن جبيل تقدم الحلفاء إلى البترون، وكان السلطان قد ولى عزت باشا ولاية سوريا، بعدما أفتى مشايخ إستامبول بخلع محمد علي من الحكم والولاية كلها، فنزل في جونيه وأرسل إلى أبو سمرا علم من زعماء الثوار ليحضر إليه من جنوب لبنان ويتسلم منه السلاح، فوصل ومعه 500 نفر، فسلمه خمسة آلاف بندقية، فتوجه بها إلى بلاد جبيل والبترون، حيث اجتمع عليه نحو أربعة آلاف رجل زحف بهم على الأمير مجيد الشهابي في جهة اليمونة في أعالي لبنان، فارتد الأمير إلى الجيش المصري في عيناتا وأبو سمرا يتعقبه، إلى أن اشتبك بمعركة مع الجيش. وفي الليل دهمه الجنود المصريون، فارتد إلى جهة بشرى، حيث جمع الرجال واستأنف القتال مع الجيش، فكسره وأكرهه على الارتداد إلى بعلبك. وكان المستر ريتشردوود قد وصل مع الثوار إلى جهة الدامور وصيدا، فاستولى الحلفاء عليهما بمعاونتهم.
ولما كانت صيدا مركز الحاكم وفيها حامية قوية، وجهوا إليها ثمانية مراكب حربية ضربتها ضربا شديدا وقاتلت حاميتها قتال المستميت، إلى أن قتل قائدها حسن بك وعدد كبير من رجالها، وبلغت خسائر الهاجمين نحو أربعة آلاف. فلما وصل خبر سقوطها إلى إبراهيم باشا كبر عليه الأمر، وأرسل إلى الأمير بشير ليوافيه إلى بعلبك، حيث عقد مجلس من الأمير وشريف باشا وبحري بك، وكان رأي الأمير بشير أن يرجع السلاح إلى اللبنانين، فلم يقر إبراهيم باشا هذا الرأي، فظهر على الأمير بشير الوهن والضعف. وذهب ابن عمه الأمير بشير قاسم إلى معسكر الحلفاء في جونيه، وانضم إليهم، فأرسله قواد الحلفاء لقيادة الثوار الذين يقاتلون عثمان باشا في ميروبا، وأرسلوا إلى الأمير بشير ينذرونه ويعدونه بولاية لبنان بالوراثة في ذريته إذا هو سلم قبل مرور ثمانية أيام. فأجاب بعدم التسليم، معتذرا بأن أولاده وأحفاده في عسكر إبراهيم باشا. ولما انقضت الأيام الثمانية ولوا الأمير بشير قاسم على جبل لبنان، فسار هذا الأمير لقتال عثمان باشا، وكان قد صدر إلى هذا أمر إبراهيم باشا بالانسحاب من جبل كسروان إلى بعلبك، فسار الأمير بشير قاسم في أثر عثمان باشا وأخذ من جيشه ثلاثمائة أسير.
وكان الحلفاء قد عزموا على مهاجمة جيش سليمان باشا من البر والبحر، فأدرك سليمان باشا الخطر، فأجلى عن بيروت في ليل 9 أكتوبر، وسار جنود الحلفاء إلى مقاتلة إبراهيم باشا في بحر صاف ومعه ثلاثة آلاف مقاتل، فردهم على أعقابهم. فطلب الأميرال نابييه من الأمير بشير قاسم الأمير الجديد على لبنان بأمر الحلفاء أن يقدم برجاله إلى مؤخرة إبراهيم باشا ليهاجمه هو من الأمام. فزحف الأمير برجاله، وحال دون وصول فرقتين مددا لإبراهيم باشا. وكانت معركة بحر صاف معركة شديدة، أسر فيها الحلفاء من جيش إبراهيم 700 أسير بمعاونة الأمراء اللبنانيين، وارتد إبراهيم باشا إلى البقاع. وفي 11 أكتوبر سلمت الحامية المصرية الباقية في بيروت.
ولما رأى الأمير بشير ما حل بالجيش المصري وعدم قبول رأيه وتعيين ابن عمه أميرا على لبنان مكانه وقد انفض عنه اللبنانيون وانضموا إلى الحلفاء، قال لبحري بك : «قم واذهب إلى إبراهيم باشا، وقل له: لم تبق أقل فائدة، فالبلاد صارت الآن كلها صوتا واحدا.» وفي 11 أكتوبر غادر الأمير بشير مقره في بتدين، بعد أن استدعى أحفاده من محافظة البلاد وابنه من جيش إبراهيم باشا، ونهض إلى صيدا ومعه أولاده الثلاثة وزوجه وحفيده الأمير سعد، وأبلغ خالد باشا متسلم صيدا أنه أتى إليه مستسلما، فأمر خالد باشا أن تصطف العساكر بموسيقاها لاستقباله، وأن تؤدى له التحية. وقابله بالإجلال والاحترام، وطلب منه قواد الحلفاء في صيدا أن يتوجه إلى بيروت، وأعدوا سفينة بخارية لركوبه، فركبها إلى بيروت مع ابنه الأمير أمين وحفيده الأمير محمود. ولما وصل إلى بيروت أبلغه عزت باشا الذي عين واليا على سوريا أن يختار لنفسه محل الإقامة ما عدا مصر وفرنسا وسوريا، فاختار جزيرة مالطة، فوافق قواد الحلفاء على طلبه ووعدوه بتأمين أحفاده وأولاده. وفي 16 أكتوبر ركب الأمير بشير - الذي كان يعرف بالأمير بشير عمر الثاني - الباخرة الإنكليزية من صيدا ومعه زوجه وأولاده وزوجة ولده الأمير قاسم وحفدته الخمسة أولاد الأمير خليل وحفيده الأمير رشيد وسكرتيره بطرس كرامة ونحو سبعين رجلا من أتباعه وخدمه، وأقلعت بهم الباخرة إلى مالطة، وهكذا انتهت إمارته بعد حكم طويل المدى كثير الحوادث والأطوار.
وبعد تسليم الأمير بشير انسحبت الحاميات المصرية من طرابلس واللاذقية وأدنه بدون قتال، ولم يبق من مدن السواحل في أيدي المصريين سوى عكا.
الفصل الرابع عشر
موقف فرنسا.
अज्ञात पृष्ठ