बटल फतीफ इब्राहिम
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
शैलियों
وكان التضييق على المسيحيين الإفرنج شديدا، فلا يستطيع واحد منهم التجول في البلاد إذا لم يكن مرتديا بالملابس الوطنية أو يحرسه الجند، حتى إن إنكلترا عينت المستر فلرين قنصلا لها في دمشق في سنة 1829، فلم يستطيع دخول دمشق وأقام في بيروت إلى أن احتل إبراهيم البلاد.
وقيام حكومة محمد علي في سوريا مهد السبيل لنهضة علمية أدبية؛ لأن تنظيماتها تطلبت اختيار المتنورين لإدارة الأحكام والقيام بالأعمال القضائية والمالية والإدارية والكتابية، وسهلت قدوم الإفرنج من مرسلين وتجار وسواهم، فأنشئوا المدارس.
وأحدث إرسال طائفة من الشبان لدرس الطب في مصر واستخدام السوريين في حكومة محمد علي، صلة أدبية دائمة بين الأمتين.
أدخلت حكومة محمد علي روحا علمية في البلاد، فأنشأت محجرا صحيا في بيروت والتلقيح ضد الجدري، واعتنت بالصحة، وحفرت المصارف في المدن لصرف المياه الزائدة والأوساخ، واستخدمت المهندسين لإنشاء الطرقات وسواها. ونشطت حكومة محمد علي الزراعة وغرس البساتين والكرمة والزيتون والتوت وتربية دود الحرير، وحفرت المناجم كمنجم الفحم في قرنايل وآخر في بزبدين ومنجم الحديد في مرجنا، ثم زراعة قصب السكر والنيلة والبن، ونشطت التجارة بتأمين طرق المواصلات.
ومن حسنات حكومة محمد علي إدخال مبادئ النظام في الحكم، وتوزيع السلطات الإدارية والقضائية، واختصاص كل هيئة منهما، وإزالة الحكم المطلق، وتعيين العدد الكبير من أبناء البلاد في المناصب، فمرنوا على طرق الحكم الجديدة وتأليف مجالس المشورة في المدن، فألفوا الشورى، ومد رواق المساواة. وكان حكم محمد علي أساسا «لخط كلخانة» الذي أصدره السلطان عبد المجيد بالمساواة بين رعاياه.
كذلك العمل على إقرار الأمن في نصابه، فقبل حكومة محمد علي كان حبل الأمن مضطربا والأشقياء يعيثون فسادا والقبائل تغزو الحضر، وكانت مكامن اللصوص على جميع الطرقات، حتى إن المسافرين كانوا يضطرون أن يسيروا جماعات وهم شاكو السلاح للدفاع عن أنفسهم وأموالهم، فألقت على عاتق رؤساء القبائل والعساكر وشيوخ البلاد تبعة ما يقع في دوائر نفوذهم.
تلك بعض آثار حملة إبراهيم وحكم محمد علي في سوريا، والشر الوحيد الذي وقع في لبنان من آثارها تأصل العدوان بين الدروز والموارنة؛ لأن الموارنة كانوا عونا لإبراهيم باشا ضد الدروز، فكانت العداوة الطائفية التي أفضت إلى المذابح وإلى انتهاء عهد الإمارة في سنة 1860 و1863 والاستعاضة عن الإمارة المتوارثة في الأمراء الشهابيين بتعيين متصرف نصراني للبنان، تقر الدول الست الكبرى تعيينه، وينتخب الأهالي مجلس إدارة إلى جانبه ليقرر الميزانية والنفقات.
ولم ينس محمد علي وإبراهيم الأمير بشير حليفهما الذي سافر إلى مالطة مع أسرته، وبعد 21 يوما من وصوله عينت له حكومة تلك الجزيرة قصرا فخما على بعد ثلاثة أميال من المدينة. وقبل أن يخرج من المحجر الصحي، وقبل أن يستقر به المقام، أرسل إليه محمد علي كتابا مع رسول رومي يقول له فيه: أنا باق على محبتك، وسأجعل مصلحتي كمصلحتك شفقة على شيخوختك وحفظا لودك. وكانت المراقبة شديدة على الأمير، فأرسل إلى الرسول الرومي كاتم سره بطرس كرامة، فأعطاه صورة الكتاب. ولما سأله عنه والي الجزيرة أطلعه عليه، ولم يستطع أن يسلم الرسول رده على ذلك الكتاب إلى محمد علي.
وبعد إبرام الاتفاق بين الباب العالي ومحمد علي أرسل السلطان عبد المجيد فرمانا إلى الأمير بشير يخبره فيه بالإقامة في إحدى جهات السلطنة ما عدا سوريا، وأرسل إليه الصدر الأعظم رءوف باشا كتابا رقيقا، فاختار الإقامة في إستامبول حيث ظل إلى آخر حياته.
الفصل الخامس عشر
अज्ञात पृष्ठ