رائحة الصبر كنا نستنشقها ونتمثلها، والقارب قد اندفع وابتعد عن الشاطئ وأصبحنا في قلب البحيرة، وشعاعات خفيفة متباعدة تنتشر في الأفق وتبشر بطلوع القمر، وهدهدة، أصوات هدهدة هي كل ما يسمع والقارب يرفعه الموج الصغير ثم يرقده بحنان على سطح الماء، والموجات تهتز والنجوم تهتز، والريس عند المؤخرة يهتز، ويد على الدفة ويد ممسكة بحبل القلع توجهه ليعترض الريح، والريح شفافة خفيفة، والدنيا برد، والبرد يكاد يتحول إلى إبر، إبر طويلة ثاقبة، تخرق أجسادنا حتى تصل إلى النخاع، والخالة جالسة لا منكمشة على نفسها ولا منطوية، وكأنها نعسانة أو ميتة.
وقال لها حلمي: بردانة يا خالة؟
فأجابت: آ .. باقي كتير. ييجي ساعة يا خويا.
ونطق الريس: انوي المشيئة يا شيخة .. قولي إن شاء الله.
فقالت الخالة على الفور: إن شاء الله يا خويا إن شاء الله بإذن الله بعد ساعة؟
وكادت موجة الحديث تنتشر لولا أن الريس أسكتنا. فالهدوء مخيم، والكلام ينقله سطح الماء المستوي إلى مسافات بعيدة والبحر له آذان.
ورحنا نهمس. قالت الخالة: إنتم كمان رايحين؟
فقال حلمي: إيوه.
وسألتنا كلنا: ورايحين ليه؟ إنتم من هناك؟ - لا. - ليكو قرايب أمال؟ - أبدا.
وقال الريس وهو يبتسم: ما قلت لك دول فداوية يا ست.
अज्ञात पृष्ठ