بل أورثه خصلة لا يخطر على البال، للوهلة الأولى، أنها تستفاد من هذا الأب السكير، وهي: تحريمه المسكرات على نفسه؛ فإنه قد نشأ وهو يعافها ويلمس زرايتها وهوانها، ومثله في ذلك أناس كثيرون، منهم في عالم الأدب والدعوة الاجتماعية «أبتون سنكلير» الكاتب الأمريكي المشهور.
ولعله قد أورثه قليلا من ميله إلى الموسيقى؛ لأن أسرة شو عرفت بحب المرح والغناء. •••
وقد كانت والدته - ليوسندا أليصابات، أو بيسي كما كانوا يدللونها - تنتمي كأبيه إلى أسرة من أسر النبلاء المفتقرين. ماتت أمها وهي صغيرة فكفلتها قريبة لها حدباء على شيء من الثراء، أنشأتها نشأة بنات النبلاء، ودعت لتعليمها البيان والموسيقى الأستاذ لوجير المشهور، وأخذتها بالصرامة في تربيتها كما هو معهود في النساء الشائهات ومن تصطنع منهن سمت النبالة على الخصوص، وكان أبو الفتاة حيا ولكنها لا تراه إلا في الحين بعد الحين، ثم انقطعت صلتها به بعد أن فكر في البناء بزوجة جديدة، واتهم فتاته بالإيقاع بينه وبين أقاربه وتحريضهم على حبسه؛ لأنه مدين.
وضاقت الفتاة بمعيشة الصرامة والتزمت، فنزعت إلى التمرد، واستجابت لدعوة «جورج كار شو» حين اقترح عليها الزواج، وهو في نحو الأربعين وهي في نحو العشرين.
فخسرت الميراث الموعود، وشعرت بخيبة الرجاء وهي تقضي شهر العسل مع عريسها في لڤربول، فقد عرفت من كثرة القناني الفارغة في المطبخ كثرة ما يشربه هذا العريس من المسكرات، فهامت على رأسها من الدار إلى الميناء تنوي أن تعمل في السفن، ولا تعود أبدا إلى ذلك الزوج السكير، ولكنها شهدت هناك عربدة النواتية في سكرهم وهجرهم، فحمدت نصيبها من سكيرها المهذب الأنيس، وبقيت معه على مضض، وهي لا تعرف لها مهربا بعد انقطاع الصلة بينها وبين أبيها وأكثر أقربائها.
ورزقت منه بنتين وولدا هو برنارد، وفي ذلك يقول برنارد على طريقته المعهودة من السخرية والادعاء: إن ميلاد عبقري يحتاج إلى هذه التجربة التي سبقته بولادة بنتين! ولم يطل العمر بأحد من هذه الذرية غير برنارد.
وثابرت الفتاة على دراستها للموسيقى ودراستها للغناء، وكان لها صوت رخيم وذوق مطبوع. وانتهى شغفها بالموسيقى وضجرها من زوجها إلى علاقة قوية بينها وبين أستاذها «جورج لي» ... فهجرت منزل زوجها، وعاشت مع أستاذها، ثم بدا للأستاذ أن يرحل إلى العاصمة الإنجليزية فلحقت به هناك، وتركت برنارد في مسكنها وعنده «البيان» الموسيقي الذي يحرص عليه.
حدث ذلك بعيد سنة 1870، وكانت أوروبا كلها يومئذ - والعاصمة الإنجليزية على الخصوص - تموج بالمذاهب والدعوات في الفن والأدب والعلم والفلسفة والاجتماع، ومعظمها يجنح إلى التمرد وإنكار التقاليد.
كان فيها الماديون الملحدون، وكان فيها الروحيون الذين يتدينون بالتصوف ويباشرون تحضير الأرواح، ويقتدون بالبراهمة في اجتناب اللحوم والاقتصار على النبات وإحراق جثث الموتى.
وكان على رأس المدرسة الروحية آنا بيزانت المعروفة بدعوتها الصوفية، وإعجابها بالعقائد الهندية.
अज्ञात पृष्ठ