وأفهم منه - أي من ديانته التطورية - أن إرادة الإنسان تخلق، فإذا أردنا أن نعمر ألف سنة، فإن هذا الأمل سيتحقق وإن بعد ميعاد التحقيق، وإننا لم نصل إلى ميزاتنا الإنسانية الحاضرة إلا لأننا أردنا ذلك عن وعي أو غير وعي.
ولبرنارد شو نحو أربع أو خمس درامات خصها ببحث الموقف الديني للإنسان، وهذا إلى إشارات عديدة إلى هذا الموضوع، تخللت مؤلفاته الأخرى، وعندي أن «العودة إلى متوشالح» و«الإنسان والسبرمان» يشرحان لنا فلسفته؛ أي ديانته، وهما بحث للتطور كما يبصر به في المستقبل، أو هما بحث للدين في مستوياته العليا للمفكرين الذين يتجاوزون التفكير العلمي، وقد ألف درامة عن جان دارك، الفتاة الفرنسية التي قادت الجيش الفرنسي إلى النصر في حرب فرنسا مع إنجلترا في القرن الرابع عشر، ثم وقوع جان دارك أسيرة في أيدي الإنجليز ومحاكمتها بتهمة الهرطقة (الزندقة) لأنها تؤمن بعقائد تخالف المبادئ المسيحية. ثم الحكم عليها بالإحراق.
والنقطة البارزة في هذه الدرامة هي موقف جان دارك بأنها تفهم المسيحية بعقلها المستقل، وأنها لا تتوسل إلى الله بالكنيسة أو القسس، ويشرح لنا القاضي في محكمة التفتيش خطيئتها بأنها تسلك سلوك المسلمين، ويسب نبي المسلمين لأنه أيضا يقول بأن للإنسان الحق في الشكوى إلى الله ومناجاته دون وسيط من كاهن أو قسيس، ولكن برنارد شو وهو يضع كلمات السباب على لسان هذا القاضي إنما يمدح النبي ؛ لأن موقف جان دارك هو موقفه، وهو الموقف الذي يبرره برنارد شو ضد القاضي، أي إن الإنسان لا يحتاج إلى وسيط بينه وبين ربه.
ويومئ برنارد شو إيماءة نحو المستقبل؛ فإن جان دارك هي الرائدة الأولى في الإصلاح الكنسي الذي انتهى بظهور لوثر الألماني في القرن السادس عشر، وقد التبس موقف برنارد شو على بعض كتابنا فحملوا عليه حين ظهرت درامة جان دارك بدعوى أنه سب النبي.
ودرامة أخرى له تدعى «أندروكليس والأسد» تمثل الأسطورة التي عاشت في القرن الأول والثاني للميلاد بشأن الأسد الذي أطلق لافتراس أحد المسيحيين في العرين الذي كان في رومة، وكان يلقى فيه المسيحيون للأسود التي تفترسهم وتأكلهم أمام الجماهير المتفرجة، وهذا الأسد يدخل العرين فيجد رجلا مسيحيا قد أنقذه قبل سنين من شوكة دخلت في ساقه وأعجزته عن الحركة، فيعرفه الأسد، ويأبى افتراسه. وقد عد المسيحيون الأولون هذه القصة، أو بالأحرى الأسطورة، إحدى معجزات الدين الجديد.
ويشرح لنا برنارد شو في هذه الدرامة المبادئ المسيحية كما يفهمها فيقول: (1)
إن ملكوت الله في نفسك وليس في عالم آخر، أنت ابن الله، والله أبو الإنسان، والله هو أبوك، وأنت هنا في الدنيا تؤدي عمل الله، وأنت والله شيء واحد. (2)
تخلص من ممتلكاتك واجعلها مشتركة بين أعضاء المجتمع، وافصل بين عملك وبين النقود والأجور، واذكر أنك إذا تركت طفلا يجوع فإنك تجيع الله نفسه، ولا تقلق على غدك، ماذا تأكل فيه وما تلبس. (3)
تخلص من القضاة والعقوبات والانتقامات، واحبب جارك كما تحب نفسك؛ إذ هو جزء منك، وأحب أعداءك إذ هم جيرانك. (4)
تخلص من الاشتباكات العائلية؛ لأن كل امرأة تلاقيها هي أمك، مثل المرأة التي حملت بك، وكل رجل يلاقيك هو شقيقك، مثل شقيقك الذي حملت به أمك بعدك، ولا تضع وقتك في الجنازات العائلية حزنا على أقاربك، لتكن عنايتك بالحياة وليس بالموت.
अज्ञात पृष्ठ