وعندما نتأمل الأسباب التي دعت تولستوي إلى كراهة المعيشة الزوجية لا نتمالك الإحساس بأن هذا الرجل قد ظلم زوجته أكبر الظلم، فقد تزوجته وهو «كونت» أي أحد النبلاء له ضيعة إقطاع، وأنجبت له أبناء كانت تنتظر لهم وراثة هذه الضيعة، ولهذا فنحن نعذرها في موقفها.
كانت هي امرأة اجتماعية، تفكر في تعليم أبنائها وتزويج بناتها وفق القواعد والعادات في طبقة النبلاء، وكانت تحرص لذلك على ريع الضيعة، تفكر في تنشئة هذا الابن الذي يحتاج إلى الرحلة إلى بطرسبورج كي يتعلم في الجامعة، كما تفكر في هذه الآنسة الصغيرة التي ستكون عروسا تجمل صدرها الجواهر الغالية.
اعتبارات اجتماعية لا نستطيع أن نلوم الزوجة الأم عليها.
ولكن الإنسان في تولستوي كان يوحى إليه: دع الأرض للفلاحين ولا تنتفع بمليم من مكاسبهم وعرق عضلاتهم.
وهنا تصرخ الزوجة الاجتماعية، ويصرخ الزوج الإنساني، خلاف لا ينقطع.
ثم لا يكتفي تولستوي بذلك، بل يعلن أنه كافر لا يؤمن بالكنيسة الأورثوذكسية، ويقرر المجلس الأعلى للكنائس حرمانه، أي إخراجه من حظيرة المسيحية.
وتتأمل الزوجة الاجتماعية هذا القرار فتبكي لمصير أبنائها، وخاصة بناتها؛ إذ من يتزوج هؤلاء البنات وأبوهن كافر؟ ولكن الاعتبارات الاجتماعية لا قيمة لها عند تولستوي إذ إن جميع اعتباراته إنسانية.
وإلى هنا نفهم ونشفق ونترحم، ونكاد نقول إن نيتشه قصد إلى معنى واضح حين تأفف من العبقري يتزوج البطة، هو معنى واضح، ولكنه مؤسف، في مجتمعنا العصري الذي كان أيضا يسود روسيا أيام القياصرة.
ولكن هناك معنى آخر من اضطراب الحياة الزوجية يعلو على الخلاف الذي كان بين تولستوي وزوجته.
فقد كان هذا الخلاف زوجيا عائليا، يتعلق بميراث الأبناء ومركز العائلة الاجتماعي ومستقبلها في المجتمع، أما الخلاف الذي نقصد فيعلو على المشاجرات الدائمة بين تولستوي وزوجته؛ إذ هو من طراز آخر؛ ذلك أن أوربا، التي كانت تهتز بالحركات والنزعات والاختمارات الاجتماعية والإنسانية حوالي 1880، كانت تتحدث كثيرا عن الزواج، وكانت حركة «الحياة الجديدة» التي ظهرت في لندن في 1881 إحدى الحركات التي بعثت التفكير والابتكار، وكان مستوى المرأة قد ارتفع وأصبحت تنشد آمال الرجال، وتؤدي أعمالهم، وتحيا في استقلال اقتصادي يبعث، كما هو الشأن على الدوام، على استقلال فكري وفلسفي واجتماعي.
अज्ञात पृष्ठ