3
أليق بشعرها وعينيها السوداوين،
4
فماذا يقول المركيز؟ - إني بينكم كالأصم بين المتكلمين، فليس عندي مما أنتم به علم ولا خبر، ورأي الموسيو «ديلار» أوسع. - ألم أقل للموسيو «ديلار» إن زوجي لا يفهم شيئا من مسائل الملبس، وإنه لا يكاد يحتمل الحديث فيه. - فأنا أستأذنكم في الانصراف بغية ألا أشغلكم بلا طائل، وسأتخير لزيارتكم وقتا أليق بالزيارة.
فنهض «ڤكتور» لتوديع المركيز فشيعه إلى الباب، ثم عاد أصفر اللون مضطربا خوفا مما عساه أن يقع بعد انصرافه، وكانت «ماري» و«أليس» واقفتين مضطربتين تنظر كل منهما إلى صاحبتها ولا تجسر على افتتاح الكلام، فقال «ڤكتور» وهو يريد صرف ذهنهما عما يخاف. - قد أسرع المركيز «ڤلمورين» في الانصراف، فما أشد كراهيته لمسائل الأزياء . - فقالت «أليس» وصوتها يتهدج: وأنا منصرفة كما انصرف، فلعل سيدتي تروم الخلاء بك لأمر. - نعم أريد مفاوضة «ڤكتور»، ولكن ما عندي لك من الحديث أهم ... - لي أنا؟! - نعم أنت، وإن تنازلت للإصغاء إلي بضع دقائق علمت ما أريد، وتبينت لك أهمية ذلك الحديث. - ها أنا سامعة فتفضلي بالكلام، على أني لا أفهم ... - عما قليل تفهمين، فأنت تعشقين زوجي وهو يحبك منذ ثلاثة أعوام. - سيدتي ... - لا تحاولي إخفاء الأمر عني فقد ظهر لكل أهل باريس، ولا تزاولي إنكاره فقد احتملت منه عذابا لا تحتمله الجبال، ومرت بي أيامه وهي أعوام شقاء وعناء. - «ماري»، حبيبتي «ماري»، أيليق بشأنك هذا القول؟ أتريدين أن يكون بينكما نفرة؟! - لا أريد نفرة ولا عتابا، فلا تخف أيها العزيز، ولقد التزمت السكوت إلى الآن، وكتمت حتى عنك ما كابدته من الألم، ولولا الضرورة المبرمة لما تعديت ذلك الحد، وإن كان الموت أهون مما أنا عليه، وأنت يا سيدتي لقد رأيت ما جرى لنا وأني أنقذتك من التهلكة ولولاي لساء مصيرك وكانت حياة «ڤكتور» على خطر، أفلا ترين لي بعد ذلك عليك حقا؟! - أعترف لك بعظم المنة و... - لا منة لي بما فعلت، وإنما الفضل للكونتة «سرزول»، فقد وفدت علي حين دخولك المنزل، ولطفت بلين كلامها وحسن بيانها ما نالني بسبب ذلك من الغيظ الحق، ثم تنبهت لنزول المركيز «ڤلمورين» من عربته على باب منزلنا ففطنت للخطر، وحملتني على الدخول عليكما لإنقاذك وإنقاذ «ڤكتور» من البلية، ولولاها لما خطر ذلك ببالي. - «ماري» خفضي عليك، وترفقي بنفسك، وأجلي هذا الكلام إلى وقت آخر ... - لا يا سيدي قد عزمت على التكلم ولا بد لي منه، قلت يا سيدتي إنك رأيت وجه الخطر الهائل، وعلمت أن أقل البوادر كافية في تنبيه زوجك لحقيقة الأمر، فهل تعلمين ما العاقبة وما المصير؟ - الفضيحة ... وماذا علي إن افتضحت بمن أحب؟ - إن لم يكن عليك من الفضيحة بأس فوبالها على «ڤكتور»، فإن المركيز كما تعلمين جبار عنيد شرس الخلق لا يغتفر زلة، فإذا شعر بما بينك وبين «ڤكتور» حمله على المبارزة ، فيقتل أحدهما لا محالة، فبأي الدمين تجودين؟ أتجسرين على الظهور أمام الله والناس مضرجة بدم زوجك وهو بريء من كل ذنب؟ أو بدم زوجي وهو ذو بيت وعيال، وقد بذل في سبيل حبك ما هان عليه وما عز حتى الشرف الرفيع الغالي؟ - ويلاه! ما أهول ما تذكرين! - نعم، إنه لهول عظيم لو تتبصرين، ولا أخالك تقدمين عليه، أما أنا، أنا الزوجة الشقية، والأم التعيسة البريئة من كل ذنب، فقد كابدت العناء الشديد والعذاب الأليم، وما شكوت ولا تظلمت ما بقي المصاب منحصرا في، والخوف مقصورا علي، أفليس من حقي الآن أن أسالك حفظ الحياة لزوجي وأولادي؟! - سيدتي، تلك حياة أفتديها بروحي.
فتنبه «ڤكتور» للكلام وكان غارقا في بحار التفكر والخيال، فنهض متوجها نحو الباب، فاستوقفته «ماري» وقالت: نشدتك الله إلا ما بقيت. - لا أستطيع البقاء يا سيدتي؛ فقد جعلتني في موقف سخرية واستهزاء، فهذه مناقشة لا يليق بي سماعها، وقد نهيتك عن فتحها ولم تنتهي، فتممي ما ابتدأت إني مخل لك الجو. - لا لن تذهب، ولا بد أن تسمع إلى النهاية كل ما يوحيه إلي حنوي عليك، وسترى مني رقة ولينا، ولا تجد سيدتي ما يبعثها على الشكوى، ولعلها ترتاح أيضا لوجودك الآن معنا فقد حان لأمرنا أن يستقر على حال.
فأومأت «أليس» إيماءة الموافقة والقبول فجلس «ڤكتور»، فقالت إلى «ماري» بصوت ضعيف كصوت المريض في حالة النزع: وبعد هذا فما الذي تريدين يا سيدتي؟ - أريد أن تتركي حب «ڤكتور»، أريد أن تقينا جميعا سوء العاقبة، فلا تطلبي لقاءه بعد الآن، أريد أن تتحملي ما تحملت أنا إلى الآن من الصبر والحرمان، ولا أكلفك إلا ما فعلت، ولا أروم بذلك نصرا ولا افتخارا، إني أدرى بما أنا صائرة إليه، وأعلم أنه من المحال أن يعود لي ما عهدته من محبة «ڤكتور»، فالحب نور لا يوقد إن أطفئ، وزجاجة لا تجبر إن كسرت، فما أتوسل إليك من أجل نفسي ولكن من أجله ...
فنهض «ڤكتور» ثانية يريد الخروج، فأرادت زوجته استيقافه فقال: «ماري»، لقد حملتني ما لا أطيق، فلا أستطيع بل لا أريد أن أسمع فوق ما سمعت ... فقالت «أليس»: دعيه يذهب يا سيدتي، فليس لنا به من حاجة، أما أنا فأعلم أن حالتي توجب علي خفض الرأس لديك، وإن من حقك علي أن أسمع كل ما تقولين، فتكلمي إني سامعة.
فخرج «ڤكتور» فقالت ماري ل «أليس»: أرجوك ألا تحسبيني غير مبالية بما تكابدينه من الألم، فإني لست بفظة القلب، وقد عانيت العناء كثيرا، وذقت العذاب طويلا، ومن ذاق عرف، ولكن لا بد لي من الكلام، فإنك تعرفين ما كنا عليه من العيش الهنيء قبل تفريقك شملنا، ولا تستطيعين العلم بمقدار ما كنا فيه من السعادة قبل قدومك إلينا. - «أنت» يا سيدتي كنت لا شك سعيدة، أما «هو»؟ - و«هو» كان سعيدا أيضا، فإنه لم يكن يعرف غير ما لديه ... - صدقت، ولكنه كان يتصور غير ما يرى، ويتمنى غير ما يصيب، والأماني التي لا تدرك تقتل صاحبها. - آه آه! لقد سلبتني «ڤكتوري». - لا لا، ألف مرة لا لا، إني لم أسلبك ڤكتورك؛ فليس «ڤكتور» الذي كان عندك و«ڤكتور» الذي ترينه الآن سواء، فقد كان ذاك فتى جاهلا لا يعرف شيئا وليس له خلاق ولا ذكاء، وكان فلاحا تدهشه رؤية امرأة، ولا يعرف شيئا من أحوال دنياه ولا من حالة نفسه، وهذا رجل من أفصح رجال الزمان، وممن تناط بهم آمال الأوطان، يتمثل به في الرقة وسلامة الذوق، ويشار إليه بين الظرفاء بالبنان، كذا جعلته مذ عشقته حتى صار حسرة لقلوب مناظريه وحيرة لأعين ناظريه، فهذا وجه حقي عليه وهذا ما أوصله حبي إليه.
الحب هذبه وزين خلقه
अज्ञात पृष्ठ