كان هذا العذاب قبل المسير
واستولت الكآبة على أهل «مرلي» في غياب «ڤكتور»، فانقطعت «ماري» عن الغناء وهي تشتغل، وامتنعت من مداعبة طفلها في المرج الأخضر على بساط النبات الغض كما جرت به عادتها إلى ذلك الحين، بل كانت تطوف دهاليز القصر مكتئبة متمشية على مهل، وتدخل البيعة فتدعو الله وهي ناظرة إلى الطريق، ويلح عليها والدها وحموها بالذهاب إلى «سرڤيل» لرد زيارة الباريسيات فتأبى، ولكن يعود «ڤكتور» فتسير معه، إنها قد واعدته بألا تخرج من البيت قبل رجوعه.
ثم عاد «ڤكتور» ومن خلفه في العربة صندوق فيه أثواب جديدة، وأسباب زينة لم يكن يلتمسها من قبل، فلما وقع نظر «ماري» على ذلك الصندوق وعلمت بما فيه، سألت زوجها عما دعاه إلى شراء تلك الأثواب فقال: إني أخجل من جيراننا أن أزورهم بثوبي القديم، فأكون فيه كالرجل الباقي من عهد الطوفان، وقد علمت أنهم يستهزئون بي من أجل ذلك، ولست أريد أن يستهزئ بي أحد من الناس.
فلم تجبه «ماري»، ولكنها لم تقنع بما قال، فبقي في نفسها شيء من سوء الظن، فلما أصبحت ورأته بلباس غرفة النوم معتدل القوم صبيحا متأنقا لم تعجب به كما تعودت إلى ذلك اليوم، بل داخلها الظن بأنه لم يتأنق في ملبسه ليحسن في عينها، وإنما تكلف ذلك لشيء جديد في نفسه لم تحط به علما.
والريب للنفس داء
إن طال أعيا شفاؤه
كالسم في الجسم يسري
حتى يعز دواؤه
ثم جاء وقت الغذاء، واجتمع له أهل البيت على المائدة، فتجاذبوا هناك أطراف الكلام ، فساقهم الكونت «ديلار» إلى الحديث عن جيرانهم سكان «سرڤيل»، وزعم أن لم يبق مانع من زيارتهم، بل إنها وجبت فلا ينبغي تأخيرها إلى ما بعد الغد، فالتمست «ماري» أن تتخلف عن أسرتها بدعوى انحراف المزاج، فأبى «ڤكتور» ووالده إلا أن تسير معهم وما زالا بها حتى أجابت.
ولما أتى الوقت المعين للزيارة نشط لها أهل المنزل وخرجوا إلى موقف العربة، فكان اختلاف أحوالهم ومناظرهم من أغرب ما رأته العين؛ فإن الشيخين كانا بزيهما القديم، كأنهما من بقايا أمة قد خلت، و«ماري» على حالها من السذاجة التي تلازم نساء القرى، وتجعلهن مغمزا للمدنيات ولو كن حسانا، أما «ڤكتور» فإن ثوبه الجديد لم يكن منطبقا عليه تمام الانطباق، ولكن اعتداله الطبيعي كان ساترا لهذا العيب فلم تذهب جدة الثوب برونق بهائه، وحسن روائه، ولكنه ظهر فيه محتاجا إلى شيء من العادة ليكون رشيقا.
अज्ञात पृष्ठ