बारिका महमूदिया
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية
प्रकाशक
مطبعة الحلبي
संस्करण संख्या
بدون طبعة
प्रकाशन वर्ष
١٣٤٨هـ
نَفْسَهُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ وَقِيلَ يُدْخِلُ ذَنَبَهُ فِي دُبُرِهِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْوَلَدُ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ
(لِلْإِنْسَانِ) وَهُوَ الْوَاحِدُ مِنْ بَنِي آدَمَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ الْإِنْسِ قِيلَ لِاسْتِئْنَاسِ آدَمَ بِحَوَّاءَ وَقِيلَ بِرَبِّهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُطْلَقُ وَلِذَا قِيلَ الْإِنْسَانُ مُتَّحِدٌ بِالطَّبْعِ وَقِيلَ لِظُهُورِهِمْ كَمَا سُمِّيَ الْجِنُّ لِاجْتِنَانِهِمْ أَيْ اخْتِفَائِهِمْ وَقِيلَ مِنْ النَّوْسِ بِمَعْنَى الْحَرَكَةِ لِكَثْرَةِ حَرَكَاتِهِمْ الْقَلْبِيَّةِ وَالْجَوَارِحِ الْأَرْكَانِيَّةِ وَقِيلَ مِنْ نَسِيَ لِنِسْيَانِهِمْ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ عَهِدَ إلَيْهِ فَنَسِيَ ثُمَّ الْإِنْسَانُ بَعْدَمَا اُتُّفِقَ فِي أَنَّهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ اُخْتُلِفَ فِي هُوِيَّتِه هَلْ هُوَ جَوْهَرٌ أَوْ عَرَضٌ مُجَرَّدٌ أَوْ مَادِّيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَ الدَّوَانِيُّ لَعَلَّهُ إجْمَالُ مَا فِي نَحْوِ الْمَوَاقِفِ مِنْ أَنَّهَا إمَّا جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْقَلْبِ هَذَا لِابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ.
وَإِمَّا أَجْزَاءُ أَجْسَامٍ لَطِيفَةٍ سَارِيَةٍ فِي الْبَدَنِ وَإِمَّا قُوَّةٌ فِي الدِّمَاغِ أَوْ الْقَلْبِ وَإِمَّا ثَلَاثُ قُوَى حَيَوَانِيَّةٌ فِي الْقَلْبِ وَنَبَاتِيَّةٌ فِي الْكَبِدِ وَنَفْسَانِيَّةٌ فِي الدِّمَاغِ وَإِمَّا الْهَيْكَلُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَإِمَّا الْأَخْلَاطُ الْأَرْبَعَةُ الْمُعْتَدِلَةُ وَإِمَّا اعْتِدَالُ الْمِزَاجِ وَإِمَّا الدَّمُ الْمُعْتَدِلُ وَإِمَّا هَوَاءٌ بِحَيْثُ يَكُونُ الْبَدَنُ كَالزِّقِّ الْمَنْفُوخِ وَهَذِهِ تِسْعَةُ مَذَاهِبَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى كَيْفِيَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ عَرَضٌ لَكِنْ قَالَ الشَّرِيفُ الْمَذَاهِبُ كَثِيرَةٌ وَمَا ذُكِرَ مَشْهُورُهَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهَا مُجَرَّدٌ فَهُمْ: الْحُكَمَاءُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّاغِبُ قَالَ الشَّرِيفُ وَأَيْضًا جَمْعٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْمُكَاشِفِينَ قَالُوا النُّفُوسُ الْإِنْسَانِيَّةُ مُجَرَّدَةٌ لَيْسَ بِقُوَّةٍ جُسْمَانِيَّةٍ وَلَا جِسْمًا مُتَعَلِّقَةً بِالْبَدَنِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ وَالتَّصَرُّفِ بِلَا دُخُولٍ وَلَا حُلُولٍ بِالْبَدَنِ أَقُولُ وَكَذَا فِي تَجَرُّدِ الْعُقُولِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَكَذَا فِي الْجِسْمِيَّةِ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ لَكِنْ مَعَ نَوْعِ خِلَافٍ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ (عَدُوٌّ مُبِينٌ) بَيِّنُ الْعَدَاوَةِ، لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ سَبَبًا لِطَرْدِهِ وَلَعْنِهِ بِسَبَبِ تَرْكِ سَجْدَةِ آدَمَ ﵊ وَلِهَذَا عَقَدَ الْخُصُومَةَ وَنَصَبَ نَفْسَهُ وَبَذَلَ غَايَةَ جُهْدِهِ وَصَرَفَ نِهَايَةَ طَاقَتِهِ لِإِضْلَالِ الْإِنْسَانِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ مُكَافَأَتَهُ فَبَدَأَ مِنْ آدَمَ ﵊ فَوَسْوَسَ إلَيْهِ ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ [طه: ١٢٠] الْآيَةَ وَقَالَ ﴿لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ﴾ [الإسراء: ٦٢]
وَقَالَ ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: ١٦] ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧] فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَغْفُلَ الْإِنْسَانُ عَنْ كَيَدِهِ وَلَا يَذْهَلَ عَنْ مَكْرِهِ بِأَنْ يَجْتَهِدَ وَيُدِقَّ فِي تَرَقُّبِ مَدَاخِلِهِ وَحِيَلِهِ وَيَصْرِفَ وَسَاوِسَهُ بِحِيَلِهَا.
(يَصُدُّ) أَيْ يَمْنَعُ الشَّيْطَانُ الْإِنْسَانَ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الظَّفَرِ الْمَذْكُورِ أَوْ الْمُتَابَعَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ التَّأْنِيثِ فِي مِثْلِهَا أَوْ بِتَأْوِيلٍ وَاسِعٍ أَوْ الْإِنْسَانَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الْمَحْذُوفُ الْمُتَابَعَةَ (صَدًّا) مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الْفِعْلِ إشْعَارًا لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ يَعْنِي اهْتِمَامَ الشَّيْطَانِ بِالصَّدِّ فَإِنْ قِيلَ الصَّدُّ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الإسراء: ٦٥] قَالَ ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [سبأ: ٢١]
قُلْنَا قَالَ تَعَالَى أَيْضًا ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [الزخرف: ٣٧] وَقَالَ ﴿اسْتَحْوَذَ﴾ [المجادلة: ١٩] أَيْ غَلَبَ ﴿عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: ١٩] فَإِنْ قِيلَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ أَوْ التَّرْجِيحِ وَإِلَّا فَحُكْمُ التَّعَارُضِ التَّسَاقُطُ أَقُولُ لَعَلَّ التَّحْقِيقَ إسْنَادُ نَحْوِ الصَّدِّ وَالِاسْتِحْوَاذِ إلَى الشَّيْطَانِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ سَبَبًا بِالْوَسْوَسَةِ لَأَنْ يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ الشُّرُورَ بِإِلْقَاءِ الْمَكَارِهِ إلَى الْقَلْبِ وَإِغْرَاءِ الْأَبَاطِيلِ وَتَحْسِينِ الْمَنَاهِي وَتَزْيِينِ الْمُنْكَرَاتِ وَإِلَّا فَاَللَّهُ ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٠٢]، وَاَللَّهُ ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ [الرعد: ٢٧] ﴿وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النحل: ٩]
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَخَلَقَ إبْلِيسَ مُزَيِّنًا وَلَيْسَ إلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَةِ شَيْءٌ» فَإِنْ قِيلَ مَا كَيْفِيَّةُ الْوَسْوَسَةِ مَعَ أَنَّا لَا نُدْرِكُ الشَّيْطَانَ بِوَاحِدٍ مِنْ مَشَاعِرِنَا فَكَيْفَ يُحَرِّكُنَا وَيُعَلِّمُنَا الْوَسْوَسَةَ
قُلْنَا نُقِلَ عَنْ الْإِحْيَاءِ فِي كَيْفِيَّتِهَا الْقَلْبُ كَالْقُبَّةِ لَهَا أَبْوَابٌ تُنْصَبُ إلَيْهَا الْأَحْوَالُ مِنْ كُلِّ بَابٍ وَمِثْلُ هَدَفٍ تُرْمَى إلَيْهَا السِّهَامُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَكُلَّمَا أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ الظَّاهِرَةِ وَمِنْ الْبَاطِنَةِ كَالْخَيَالِ وَالشَّهْوَةِ وَالْغَصْبِ حَدَثَ فِيهِ أَيْ الْقَلْبِ أَثَرٌ وَكَذَا عِنْدَ هَيَجَانِ شَيْءٍ مِنْ نَحْوِ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ وَهَذِهِ الْآثَارُ هِيَ الْخَوَاطِرِ وَهِيَ مُحَرِّكَاتٌ لِلْإِرَادَةِ الَّتِي تُحَرِّكُ الْأَعْضَاءَ فَإِنْ مَحْمُودَةً فَإِلْهَامٌ وَإِنْ مَذْمُومَةً فَوَسَاوِسُ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ اسْتِنَادُ الْوَسْوَسَةِ إلَى الشَّيْطَان فَضْلًا عَنْ بَيَانِ كَيْفِيَّتِهَا أَقُولُ هِيَ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ مِنْ الْمُجَرَّدَاتِ إذْ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ
1 / 25