ويروى عن المعافى بن عمران عن شهاب بن خراش، عن عبد الرحمن بن غنم قال: ((دخلنا على معاذ بن جبل -رضي الله عنه- وهو قاعد عند [رأس] ابن له وهو يجود بنفسه، فما ملكنا أنفسنا أن ذرفت أعيننا، وانتحب بعضنا، فزجره معاذ وقال: مه، فوالله لعلم الله برضائي [بهذا ] أحب إلي من كل غزوة غزوتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني سمعته يقول: من كان له ابن، وكان عليه عزيزا أو به ضنينا فصبر على مصيبته واحتسبه، أبدل الله الميت دارا خيرا من داره، وقرارا خيرا من قراره، وأبدل المصاب الصلاة والرحمة والمغفرة والرضوان، فما برحنا حتى قضى الغلام حين أخذ المنادي لصلاة الظهر، فرحنا نريد الصلاة فما جئنا إلا وقد غسله وحنطه وكفنه، وجاء رجل بسريره غير منتظر لشهادة الإخوان، ولا لجمع الجيران. فلما بلغنا ذلك تلاحقنا فقلنا: يغفر الله لك يا أبا عبد الرحمن! هلا انتظرتنا حتى نفرغ من صلاتنا؟ ونشهد ابن أخينا، فقال: أمرنا ألا ننتظر موتانا ساعة ما توافق ليل أو نهار، والإذن فيهم من نعي الجاهلية. قال: فنزل في القبر ونزل معه آخر، فقلت: الثالث يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: إنما يقول الثالث الذين لا يعلمون. فلما سوى عليه التراب، أراد الخروج فناولته يدي لأنتشطه من القبر، فأبى وقال: ما أدع لك لفضل قوتي، ولكني أكره أن يرى الجاهل أن ذلك مني جزع واسترخاء عند المصيبة))، ثم أتى مجلسه فدعى بدهن فادهن، وبكحل فاكتحل، وببردة فلبسها، وأكثر في يومه ذلك من التبسم ينوي به ما ينوي، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، في الله خلف من كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودرك لكل ما فات)) وذكر الحديث.
[و] قال نافع مولى ابن عمر ((اشتكى ابن لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فاشتد وجده عليه، حتى قال بعض القوم: لقد خشينا على هذا الشيخ إن حدث بهذا الغلام حدث، فمات الغلام، فخرج ابن عمر في جنازته وما رجل أبدى سرورا منه. فقيل له في ذلك، فقال [ابن عمر]:
पृष्ठ 90