( ولا أدل على ذلك من قصة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لما جاء إلى أولئك القوم المتحلقين في المسجد، ومعهم حصى، يعدون بها التكبير والتهليل والتسبيح، فقال لهم رضي الله عنه: "فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته
لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة".
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن؛ ما أردنا إلا الخير.
قال: " وكم من مريد للخير لن يصيبه" رواه الدارمي في "سننه" (1/68-69) وأبو نعيم وغيرهما، وسنده صحيح.
قلت: فهذه قصة جليلة، ترى فيها بجلاء كيف كان علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم يتعاملون مع العبادات بوسائلها ومقاصدها ونيات أصحابها، وبيان ذلك فيما يلي:
أ- قوم يذكرون الله تعالى، تكبيرا، وتهليلا، وتسبيحا.
ب - استعملوا في ذكرهم حصى ك (وسيلة) لعد هذا التكبير والتسبيح.
ج - نياتهم في عملهم هذا حسنة، يريدون به، عبادة الله، وذكره، وتعظيمه.
د - ومع ذلك؛ أنكر عليهم ابن مسعود هذا العمل ضمن هذه الوسيلة؛ لأنه لم يعهد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ رغم وجود المقتضي له في عصره.
ه - رتب على عملهم المحدث هذا الإثم لمخالفتهم السنة، ومواقعتهم البدعة.
و- لم يجعل - رضي الله عنه - حسن نياتهم سبيلا للتغاضي عن عملهم، أو دليلا على صحة فعلهم، إذ النية الحسنة لا تجعل البدعة سنة، ولا القبيح حسنا، بل لا بد أن يكون مع النية الحسنة والإخلاص: موافقة للسنة، ومتابعة للسلف) (¬1) .
पृष्ठ 12