فأجاب بذهول بدافع الحرج: طبعا.
ولم تعلق بحرف. ترى أتريد زوجا حقا؟ ولأي غرض؟ وفي الحال تذكر سليمان بهجت - زوج عمته السابق - وزاهية، وما يتردد على الألسنة. وغادر الشقة بقلب ثقيل وهو يرجو ألا يضطر إلى العودة إليها مرة أخرى.
وكمثل حظوظهم تعثرت مفاوضات السلام حتى أوشك أن يقنط أنصارها ويشمت أعداؤها، ثم ولدت ولادة عسيرة في كامب ديفيد، فانبسطت بحيرات الرضا كما انفجرت براكين الغضب. وكالعادة اجتمعت الأسرة في حلوان عدا الأحفاد منضما إليهم رشاد الذي انتقل إلى شقته الجديدة بشارع الأمين. وكان المطر يجيء قليلا ويذهب قليلا ولا ينقطع، والسماء ملبدة الغيوم تضفي على الضاحية جوا كالمغيب الدائم. وكان العمل قد بدأ في الحديقة ولكنه لم يتواصل كالمتوقع؛ بسبب غياب العمال المتكرر، أما في ذلك اليوم فقد توقف بسبب المطر. نظر محمد إلى أرض الحديقة التي تبدت كهدف متخلف من غارة جوية وقال: ستكون أجمل حديقة في حلوان.
فقالت سنية بجزع: إني أعد الساعات والدقائق ولكني أدعو لرشاد من صميم قلبي!
فقالت كوثر: ها هو السلام فمتى الرخاء؟!
فقال محمد متهكما: ما هو إلا كارثة، ولا نجاة إلا بالإسلام!
فابتسمت سنية قائلة: دائما تنذروننا بالكوارث ولكن الله يخيب الظنون .. وجعجع الرعد فارتجفت كوثر، وقالت منيرة: أخشى أن يتعذر علينا الرجوع.
وجعلت سنية تسترق إليهم النظرات فتمتلئ بالشجن. هزلوا وشاخوا قبل الأوان، حتى محمد رغم الإصرار المحفور في صفحة وجهه الذي يذكرها بحامد برهان. ماذا جرى لهم؟ لم ينعم أحد منهم بفرحة صافية أبدا، ولا أحد من أبنائهم؛ شفيق، سهام، أمين، علي، الجميع سواء. الوحيد الذي عرف نفسه مستقرا هو رشاد ولكن بأي تضحية فادحة! والبيت هل يتجدد حقا؟ وهذه الأرض المطينة متى تستوي حديقة غناء؟ إنها في خيالها فردوس، وأما في الواقع فأرض تخددها الحفر، وتحدق بها أكوام الطين، متى تنبسط؟ .. متى تجيء المشاتل؟ متى ينقطع المطر؟ متى يواظف العمال؟ وعقب تناول الغداء انهل المطر أكثر وأرعدت السماء وهبطت السحب المعتمة في تموجات عنيفة. قال محمد: علينا أن نذهب حال توقف المطر.
فقالت سنية: ما أجمل أن تبيتوا ليلتكم عندنا!
فسألها محمد مداعبا: ما آخر أخبار أحلامك؟
अज्ञात पृष्ठ