غير أنها قاطعتها قائلة: لي أمل كبير في بعثة إلى إنجلترا. - والعمر؟! - لا أهمية لذلك!
وعلم محمد برأيها فقال لها بحدة: إنك غير محتملة.
فقالت ملاينة: لي خطة يا بابا.
فصاح: خطة كالقطران!
واشتد غضبه فقال لها: لم يؤذني أحد في حياتي - باستثناء عبد الناصر - مثلما آذيتني!
وحلمت سهام بالبعثة كملاذ أخير، تلوذ به بمبدئها وجرمها الخفي، وهما إرثها عن حبيبها الذي تلاشى في غمضة عين. وجو أسرتها كان ينذرها دائما بالتهديد والخوف حتى تمنت هجره وشارفت مقته. وخيل إليها أن أباها - وشفيق أيضا - يرمقانها بعين الريبة. وإن يكن في ذلك شك فما لا شك فيه أنهما لا يباركان موقفها من الحياة. وكل يوم فهما يزدادان إسلاما فيزدادان خطرا وتزداد هي غربة. وأمها لا أمل فيها؛ فهي محبة لأبيها لدرجة العبادة ومؤمنة ببطولته، وهي في الوقت نفسه - على رقتها - غير موافقة أيضا على موقفها. فكيف إذا انكشف سرها وأعلنت خسائرها! وجمعت المشكلات بين شفيق وابن عمته أمين. سأله شفيق: ما قيمة المرتب؟
فأجاب أمين ببساطة: لا شيء. - ويهمني جدا أن أتزوج. - أنا عندي خطيبتي ولا أدري كيف أتزوج! - بنات الهوى ارتفعت أسهمهن في بورصة العرب لدرجة خيالية! - نحن محاصرون من جميع الجهات! - وقد تيئس خطيبتك فترحب بأي قادر.
فقال أمين بثقة: ليست من هذا النوع. - لو أني مكانك لكتبت كتابي لأروح عن نفسي تاركا المستقبل للمستقبل!
وحليت الفكرة لأمين ولكنه راح يقلبها على شتى جوانبها قبل أن يندفع إليها كالمجنون. ووجد بابا لم يطرقه فقرر أن يطرقه. وقرر أن يطرقه سرا فأخفى عزمه حتى عن أمه المحبوبة. ذهب إلى فيلا المعادي لمقابلة أبيه سليمان بهجت. إنه يزوره من حين لآخر زيارات بريئة، وفي كل مرة يخيل إليه أن الفيلا تزداد تألقا وترفا. وكالعادة لقيه أبوه برقة معهودة. وسأله عن مامته وجدته وسائر أفراد الأسرة. وحضرت زاهية المقابلة؛ فهي لا تترك الابن يخلو إلى أبيه أبدا. ولم يجد أمين بدا من عرض قضيته على مسمع منها. قال: إني خاطب كما تعلم يا بابا وأريد أن أتزوج!
لم ينظر نحو زاهية ولكنه شعر بأنها ماجت بالانفعالات. وتساءل الأب ببلاهة: وماذا يمنعك؟
अज्ञात पृष्ठ