فقطبت ثم قالت: لعله يزور زميلا له.
ثم مخاطبة نفسها: لم يفكر في زيارة جدته!
وشكته إلى منيرة في لقاء الجمعة، وسألته منيرة بعد العشاء في شقتهما بالعباسية: أذهبت أول أمس حقا إلى عمارة ميرفت هانم بحلوان؟
انحشر قلبه في حلقه وظن أنه انفضح، غير أن منيرة أنقذته وهي لا تدري فواصلت: لا تهمني الزيارة في ذاتها؛ فلعلك زرت صديقا، ولكن أما كان الواجب أن تمر بجدتك؟ عليك أن تزورها لتخفف من حزنها!
فازدرد ريقه قائلا: لم يتسع الوقت!
ثم بصراحة خشنة: والبيت القديم ممل!
فقالت بعتاب: لك جدة مدهشة لا تمل!
فلاذ بالصمت مستوصيا بمزيد من الحذر. ولما رجع رشاد لقضاء عطلته الدورية أثارت القاهرة انفعاله؛ هذه المدينة الخالدة التي تعيش بمعزل عن الزمان! وصمم من بادئ الأمر على ألا يشير بحرف إلى حياة الجبهة الحقيقية. وبعد العناق قال: ليست الجبهة كما تتصورون، ما هي إلا مبالغات وأوهام!
احتفظ بمعاناته في سرية مقدسة، كما دفن زلازل الانفجارات في أعماق ذاته، ومرارة الهزيمة الموروثة عن غيرهم، والمسئولية التي تنوء بمناكبهم عما حدث وعما يحدث وعما سيحدث؛ لذلك قذفت به الجبهة في أعماق هموم عامة عاش أكثر عمره في هامشها، ولكن شد ما تبدو القاهرة لا مبالية معربدة متمردة! وقال لأمه دون تمهيد: ماما، إني أفكر جادا في الزواج!
فهتفت كوثر: ما أسعدني بسماع ذلك!
अज्ञात पृष्ठ