إن عمل الجمعيات العمومية يكاد يكون محصورا في مراجعة حساب الأرباح والخسائر، وتعيين المراقبين، وانتخاب بدل الذين انتهت عضويتهم في مجلس الإدارة أو إعادة انتخابهم . وإذا كان حق الحكومة في تعيين من يمثلها في مجلس الإدارة ثابتا في نظام البنك، فإن حضور الجمعيات العمومية لا يعني إلا المساهمين العاديين الذين يتطلعون إلى معرفة ما خصهم من الأرباح. أما الحكومة فهي طبعا تعرف مقدما ميزانية البنك ومقدار ما خصها من الربح قبل عقد الجمعية العمومية.
ولا بد لنا من أن نعرف أن امتلاك الحكومة للبنك المركزي إنما هو وضع اشتراكي، وهو حلقة من سلسلة حلقات تستدعي تأميم المرافق الهامة في البلاد، فلا بد معه من تأميم المواصلات، والمناجم، ومعاهد المال الأخرى التي يتعلق عملها بمصادر الائتمان الصناعي والتجاري والزراعي منها بوجه خاص، وغيرها مما يجعل التأميم مستجمعا عناصره كافة، وإلا كان ناقصا لا يؤدي الثمرة المطلوبة منه. فإذا بدأنا بتأميم البنك المركزي، فلا بد لنا من أن نتبعه بتأميم المرافق الأخرى.
الفصل الرابع
فكرة بنك مركزي لمصر
(1) محاولات البنك المركزي في مصر
كنت أريد أن أرى في مصر بنكا مركزيا لأتحدث عنه، ولكني مع الأسف لم أجد سوى محاولات لاتخاذ ذلك البنك، بعضها قامت به الحكومة، والبعض الآخر قام به الأفراد، من ذلك أن المرحوم محمد علي باشا عقد اتفاقا بينه وبين أحد الأجانب في شركة تقرب من البنك المركزي شبه الحكومي ساعده في تمويل تجارته الخارجية وفي تدبير النقد المصري، ولم يطلق على هذه الشركة اسم بنك؛ لأن العلماء كانوا يحرمون البنوك، ولم يتعامل بالفائدة فيما أعطى أو أخذ من ذلك المالي الأجنبي.
أما المحاولة الثانية فقد كانت في أواخر عهد المغفور له إسماعيل باشا بعد أن اضطربت الأحوال المالية في مصر؛ فقد عقد بعض كبار المصريين اجتماعا بموافقة الخديو ووضعوا نظام بنك مركزي نقلوه عن نظام بنك فرنسا، وجعلوا من أغراضه تسوية ديون الخديو والقيام على خدمتها. ولكن إنجلترا عارضت في ذلك، في حين اشترطت فرنسا أن يكون البنك دوليا وتحت إشرافها، وحجتها في ذلك أن مصر لا تستطيع أن تصدر تشريعا يمس حقوق الأجانب بغير موافقة دولهم.
وأما المحاولة الثالثة فقد جاءت أثناء الثورة العرابية؛ إذ وضع العرابيون في برنامجهم لترقية البلاد تأسيس بنك مركزي وطني.
وفي سنة 1898 صدر دكريتو خديوي يصرح للسير أرنست كاسل، وسلفاجو، وسوارس، بإنشاء البنك الأهلي، ويختصه وحده بامتياز إصدار البنكنوت في مصر. وقد جاء في الطلب الذي قدموه للسير «ألوين بالمر» - المستشار المالي - للحصول على الدكريتو أنهم يحققون الرغبة التي كلفهم بها جنابه، وأن البنك الأهلي - كما يعلم جنابه - حين يصدر البنكنوت يقترض بغير فائدة.
هذه العبارة تغنينا عن كل تعليق، فالبنك الأهلي يقترض من مصر بغير فائدة، بل أكثر من ذلك أقرض مال مصر بفائدة قليلة لإنجلترا باستعماله القراطيس الإنجليزية غطاء لما يصدره من بنكنوت. وقد نجحت سياسة اللورد كرومر المالية إلى أقصى حد حين أراد من إنشاء هذا البنك أن يحارب نفوذ البنوك الأجنبية، وأن تستخلص مصر للإنجليز.
अज्ञात पृष्ठ