बकैय्यात
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
शैलियों
ها هي ذي تطردك الآن، وعلى مرأى من كل الخطاب الجشعين وأهلك ومربيتك. هل كان الأولى بك أن تبقى في زي الشحاذ؟ طهر نفسك، واغسل كفيك. هل يتسع العمر لرحلتك الأخرى، رحلتك الحقة؟! (موضوع مسرحية بدأتها ولم تتمها) ما أكثر ما بدأت! ترى لماذا لم تستمع لصديق عمرك
2
الذي وجهك لسيف وأبي زيد وعنترة؟
لم غربت وما شرقت؟ لم تبعد دوما عن نفسك وعلى من تلقي الذنب؟ الطفولة كانت قاسية. الزمن اشتد عليك. طوفت بكل الآفاق وها أنت تعود، الابن الضال يهرع نحو أبيه؛ ليغرق كفيه بدمع التوبة، لكن الأب مشلول، فقد الذاكرة، ونسي الابن. وهو الآن تراب يرقد في حضن تراب، والابن التائب يصرخ: لم تتركني؟ (عنوان رواية تدور في عقلك منذ سنين. لم لم تبدأها بعد؟) أما كان الأولى من رحلة الشعر (ضيعت في كتاب واحد عنه ست سنين)، حبست شبابك في سجن لا تدخله إلا أوزان الشعر وكلماته، هل كان الأمر يساوي هذا الجهد؟ أم أنك تهوى دوما أن تلعب دور ضحية، حتى لو كان الجلادون هم الشعراء؟! هل هي مأساتك وحدك؟ أم كان الأولى من هذه الرحلات أن تعلم أميا واحدا؟ وهل تنسى أن أمك ماتت وهي أمية، تذكر تعبك أياما وأسابيع لتحفظها
إنا أعطيناك الكوثر .
وأين تهرب من كلمة ذلك الذي زار بلادك؟
3
سارع إليه كهنة الثقافة - وكم انبهرت مثلهم بكل جديد - فقال ما معناه: لو كنت مكان المثقف عندكم لأخذت طباشيرا ولوحا أسود، وهرعت إلى الريف لتعليم الأميين. وها هي ذي الهاوية تتسع بين الكاتب والقارئ لا تضيق. ونحن نواصل كتابة الرسائل المفتوحة إلى بعضنا. لا نكف عن الصراخ من ذنبنا وخجلنا من عار الأمية. مع ذلك لا نفعل شيئا. (أين اتحادات الأدباء لتوجه قوافلنا نحو الريف؟) هل نعزي أنفسنا بأجيال أخرى - قد تأتي أو لا تأتي - تذوق عندئذ أشعارنا المترفة وعباراتنا الرنانة ونظرياتنا المتعالية وقصصنا ومسرحياتنا التي نفرغ فيها مشاعرنا المذنبة؟ عزاء يستحق البكاء! فابك إذن على حائط مبكاك. •••
وهبطت إلى المتاهة كما هبط ثيسيوس (يا للأسماء الصعبة، لو كنت أدرى بتراثك لوجدت أسماء أرحم!) متاهة الحكمة التي ضاعفت حماقتك. في كل ركن عجوز أشيب ثرثار، وخيوط المذاهب كثيرة ومعقدة، تخرج من نسيج عنكبوت لتقع في نسيج عنكبوت، من طاليس إلى هيدجر وأنت تقرأ وتتابع، تجعد الجبين واكفهرت الملامح، والشعر شاب فرق السالفين، وأنت تتحمس لكل رأي وتتأثر بكل صوت، تفرق نفسك على خبزهم الجاف لكي يبلعه الناس. يقولون لك: أنت تكتب الفلسفة بقلب شاعر. هل يعزونك أم يجرونك من أنفك كما جر فاوست تلاميذه عشر سنين؟ سموه الأستاذ، وسموه الدكتور، فاكتشف أنه ما يزال هو الأحمق المسكين، وأننا عن معرفة أي شيء عاجزون! وها هم يسمونك الأستاذ، ينادونك حضرتك وسيادتك (لكن من يقف بجوارك؟ من يشعر بك؟) هناك تجلس كصنم بوذا المسكين بين جدرانك الأربعة أبكم أخرس كالبوم. ويرونك - حين تناقش أطروحة - في مسوح الحكماء المملين. ويثرثر صوت يخرج منك فتنكره حين تفاجأ به. وتود لو أنك تخرج من جلدك، تدخل جسدا آخر - أبهى وأصح - أو أن تجري عريانا كالمذعور، لكن الدور يمثل فوق المسرح. سيظل يمثل، حتى تنفجر وتخرج منه إلى قبرك أو للنور. (أيتها العين الواسعة السوداء. تابعت صعودي نحو الواحد وأنا أقرأ أفلوطين. هل أحسست بأني أتمنى أن ألقى السلم كي أصل إليك؟) وتكتشف أنك تورطت، أنت ونحن وهم متورطون، تورطت في جسد فرض عليك، في عصر وبيئة لم تخترهما. يقولون وتصدقهم أحيانا: مصيرك بيديك، فاقبض عليه! قارب حياتك من صنعك، فوجه دفته بنفسك، في هذا الزمن وجدت وهذا الركن من العالم؛ فواجه الموقف وتحد المشكلة! وتدق كلمات التحدي والكفاح وسائر الطبول الضخمة. وحين يجن الليل تقول: أنا مع ذلك في ورطة! وتناجي نفسك: لو خيرت لكنت اخترت، أن أصبح شجرة، أو أتقمص قطة! (فالشجرة تلقي ظلا، للتائه والحيران، تعطي خشبا للبردان، فاكهة أو خبزا أخضر للجوعان، والقطة متوحدة، متكبرة تعشق سر الأنجم والكتمان) وتكتشف أنك ضيعت الخيط. و«أريادنة» لم تمسك بطرفه ولم تنتظرك يوما على باب المتاهة. (أصبحت الآن أما لثلاثة أطفال. هل تتذكر جوع القلب وذل العين؟)
وتواصل ثرثرتك ودموعك تجري في صمت. والسنة الدراسية على الأبواب، وعينك داخل المتاهة تبحث عن حائط مبكاك. •••
अज्ञात पृष्ठ