بحث في تحريم المتعة من كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير
مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام
ص _ حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال:
(نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نكاح المتعة عام خيبر).
ش _ أخرج البخاري ومسلم والمؤيد بالله في شرح التجريد وغيرهم من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبدالله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية).
وقال المؤيد بالله: أخبرنا أبو العباس الحسني قال: أخبرنا عبدالعزيز بن إسحاق قال: أخبرنا أحمد بن منصور الحرى، أخبرنا محمد بن الأزهر الطائي، أخبرنا إبراهيم بن يحيى المزني عن عبدالله بن الحسن عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام، قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتعة من النساء يوم خيبر، وقال: ((لا أجد أحدا يعمل بها إلا جلدته))، ولعل قوله: ((لا أجد أحدا))، من قول علي _ عليه السلام _، وعبد العزيز هو البقال شيخ الزيدية، وتكلم فيه الذهبي بما يعود إلى المخالفة في المذهب، وترجم لباقي رجال السند صاحب المشارق.
पृष्ठ 1
وأخرج البيهقي من طريق عبدالله بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن إياس بن عامر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المتعة)، قال: وإنما كانت لمن لم يجد، فلما أنزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت.
وقوله: (يوم خيبر) بالمعجمة أوله، والراء آخره، وشذ بعض الرواة فزعم أنه بمهملة أوله ونونين، أخرجه النسائي والدارقطني، ونبها على أنه وهم.
قال السهيلي: ويتصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال؛ لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر، وهذا شيء لا يعرفه أهل السير ورواة الآثار. قال: والذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري، وقد أشار ابن القيم في زاد المعاد إلى تقريره، وسبقه إلى ذلك ابن عيينة فيما رواه البيهقي بإسناده من طريق الحميدي عن سفيان، أخبرنا الزهري، أخبرنا حسن وعبدالله ابنا محمد بن علي، وكان حسن أرضى من عبدالله، عن أبيهما، أن عليا رضي الله عنه، قال لابن عباس: (إنك امرؤ تائه، إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر)، قال سفيان: "يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا يعني نكاح المتعة"، قال البيهقي: "وهذا الذي قاله سفيان محتمل، فلولا معرفة علي بن أبى طالب بنسخ نكاح المتعة، وأن النهي عنه كان البتة بعد الرخصة لما أنكر به على ابن عباس" انتهى.
وظاهر حديث الأصل أن عام خيبر ظرف لتحريم نكاح المتعة، وهو صريح روايات الشيخين، وكرره البخاري في مواضع متفرقة من كتابه، ومن طرق متعددة، ويؤيده حديث ابن عمر أخرجه البيهقي بإسناد قوي: أن رجلا سأل عبدالله بن عمر عن المتعة، فقال: "حرام"، قال: فإن فلانا يقول فيها، فقال: "والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمها يوم خيبر، وما كنا مسافحين".
पृष्ठ 2
والحديث يدل على تحريم نكاح المتعة للنهي عنه، وهو: النكاح المؤقت إلى أمد مجهول أو معلوم وغايته إلى خمسة وأربعين يوما، ويرتفع النكاح بانقضاء الوقت المذكور في المنقطعة الحيض، والحائض بحيضتين، والمتوفى عنها بأربعة أشهر وعشر، ولا يثبت لها مهر ولا نفقة ولا توارث ولا عدة إلا الاستبراء بما ذكر، ولا نسب يثبت به إلا أن يشترط، وتحرم المصاهرة بسببه، هكذا ذكره في بعض كتب الإمامية.
والاستمتاع: طلب التمتع، والاسم المتعة، ومنه متعة النكاح، ومتعة الحج، ومتعة الطلاق، وأمتعه الله بكذا، أو متعه بمعنى، وقد كانت مباحة في صدر الإسلام ثم نسخت، وورد ما يدل على تكرير الإباحة والنسخ مرتين، قاله الشافعي وغيره.
وأما جملة ما ورد من تحريمها بعد الترخيص ففي ستة مواطن ذكرها ابن حجر في تلخيصه وغيره.
(أولها) في عام خيبر كما في حديث الأصل وشواهده.
(ثانيها) عمرة القضاء أخرجه عبدالرزاق عن الحسن مرسلا، قال: ((ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ولا بعدها))، وله شاهد رواه ابن حبان في صحيحة من حديث سبرة بن معبد قال: خرجنا مع رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فلما قضينا عمرتنا، قال لنا: ((ألا تستمتعون من هذه النساء))، قال ابن حجر: "أما عمرة القضاء فلم يصح الأثر فيها لضعف مراسيل الحسن" انتهى.
पृष्ठ 3
وهذا باعتبار قصر التحليل على وروده في عمرة القضاء وأما مطلق وقوعه فيها ففيه الشاهد المذكور، ونقل النووي عن القاضي عياض أن قول الحسن ترده الأحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر، وهي قبل عمرة القضاء، وما جاء من إباحتها يوم فتح مكة ويوم أوطاس.
(وثالثها) عام الفتح، عند مسلم من حديث سبرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ((نهى عن متعة النساء يوم الفتح))، وفي لفظ له: ((أمرنا بالمتعة حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها)) وفي لفظ صحيح: ((إن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة))، ووقع في الصحيح عن سلمة بن الأكوع أن ذلك وقع عام أوطاس ثلاثة أيام وهو.
(الرابع)، لكن قال السهيلي: "هي موافقة لرواية من روى عام الفتح لأنهما كانا في عام واحد".
पृष्ठ 4
(الخامس) في غزوة تبوك رواه الحازمي من طريق عباد بن كثير عن ابن عقيل عن جابر قال: ((خرجنا مع رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ إلى عزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما يلي الشام جاءنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا فسألنا رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ عنهن، فأخبرناه فغضب فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم تعد ولا نعود فيها أبدا، فسميت ثنية الوداع))، قال ابن حجر: وإسناده ضعيف وله شاهد عند ابن حبان والبيهقي من حديث أبي هريرة. وليس في القصة ما يدل على أن الاستمتاع وقع منهن في تلك الحال ، فيحتمل أن ذلك وقع قديما، وجاءت النسوة على ما ألفن منهم فوقع التوديع حينئذ، أو أنه وقع ممن لم يبلغه النهي بناء على بقاء الرخصة المتقدمة، ولذا وقع الغضب لأجل تقدم النهي على أن حديث جابر فيه عباد وهو متروك وحديث أبي هريرة فيه مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفيهما مقال".
(السادس) حجة الوداع رواه أبو داود من طريق الربيع بن سبرة، وقال أشهد على أبي أنه حدث عن رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أنه نهى عنها في حجة الوداع، والرواية عنه بأنها في غزوة الفتح وهي أصح وأشهر، فإن كان حديثا محفوظا فليس فيه أنه وقع الترخيص في حجة الوداع ثم نهى عنها بل مجرد النهي، فلعله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أراد تقرير النهي وتأكيده ليشيع ويسمعه من لم يبلغه ذلك، ويؤيده أن الصحابة رضي الله عنهم حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم فلم يكونوا في شدة يحتاجون معها إلى المتعة، وأيضا فحديث سبرة وقع عليه الاختلاف في تعيين الغزوة والحديث واحد في قصة واحدة فيتعين الترجيح، والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة بأنها في زمن الفتح فيتعين المصير إليها.
قال النووي: "والصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس، ثم حرمت تحريما مؤبدا، ولا مانع من تكرير الإباحة" وهو معنى ما تقدم عن الشافعي.
पृष्ठ 5
وأخرج ابن عبد البر من حديث سهل بن سعد بلفظ: "إنما رخص رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة، ثم نهى عنها، فلما فتحت خيبر وسع عليهم من المال ومن السبي، فناسب النهي عن المتعة لارتفاع سبب الإباحة، وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على التوسعة بعد الضيق، وكانت الإباحة إنما تقع في المغازي التي تكون في المسافة التي إليها بعد ومشقة، وخيبر بخلاف ذلك؛ لأنها بقرب المدينة، فوقع النهي عن المتعة فيها إشارة إلى ذلك من غير تقديم إذن فيها، ثم لما عادوا إلى سفرة بعيدة المدة وهي غزاة الفتح، وشقت عليهم العزوبة أذن لهم في المتعة لكن مقيدا بثلاثة أيام فقط دفعا للحاجة، ثم نهاهم بعد انقضائها عنهم. انتهى.
وبه يندفع ما ذكره ابن القيم في تقرير أن الظرف في حديث علي عليه السلام بقوله: ((عام خيبر))، يعود إلى تحريم الحمر الإنسية، بأنه لم يكن الصحابة فيها يستمتعون باليهوديات، ولا استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وبتحريم المتعة قال جمهور الصحابة، وأجمع عليه فقهاء الأمصار بعد الخلاف، ولم ينقل الخلاف المحقق فيه إلا عن الإمامية، وحكاه في البحر عن ابن عباس والباقر والصادق وابن جريج، وفي ذلك نظر.
أما ابن عباس فقد صح عنه القول بذلك، ولكنه روي عنه الرجوع، فأخرج الترمذي بسنده إليه أنه قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه، حتى إذا نزلت الآية {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}[المؤمنون:6]، قال ابن عباس: فكل فرج سواهما فهو حرام.
पृष्ठ 6
وأخرجه الحازمي وقال: إسناده صحيح، لولا موسى ابن عبيدة الربذي، كان يسكن الربذة، يعني وهو ضعيف، لكنه أخرج البخاري في باب النهي عن نكاح المتعة عن أبي حمزة الضبعي أنه سأل ابن عباس عن متعة النساء، فرخص له، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة، قال: نعم.
وفي كتاب غرر الأخبار أخرجه بإسناد ساقه في التلخيص عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما تقول في المتعة، فقد أكثر الناس فيها حتى قال فيها الشاعر:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه .... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
وهل ترى رخصة الأطراف ناعمة .... تكون مثواك حتى مصدر الناس
قال: وقد قال الشاعر فيه؟ قلت: نعم. قال: فكرهها أو نهى عنها.
وأخرج الخطابي عن سعيد بن جبير مثل هذا، قال: قال ابن عباس: "سبحان الله، والله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا لمضطر".
قال الخطابي: "فهذا يبين لك أنه سلك مسلك القياس، فشبهه بالمضطر إلى الطعام الذي به قوام الأنفس، وبعدمه يكون التلف، وإنما هذا من باب غلبة الشهوة، ومصابرتها ممكنة وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج، فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر" انتهى.
وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال: "ما مات ابن عباس حتى رجع عن هذه الفتيا"، وذكره أبو عوانة في صحيحه.
पृष्ठ 7
وبهذا يتضح أن جميع ما روي عنه من القول بها إما أن يكون رجع عنه، أو خصه بحالة الضرورة الشديدة في السفر.
وأما الباقر وولده الصادق فنقل في الجامع الكافي عن الحسن بن يحيى ابن زيد فقيه العراق أنه قال: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كراهية المتعة والنهي عنها.
وقال أيضا: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين وصداق بلا شرط في النكاح.
وقال محمد _ يعني ابن منصور _: سمعنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي وابن عباس وأبي جعفر _ يعني الباقر _ وزيد بن علي وعبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد عليهم السلام أنهم قالوا: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدين)).
وأخرج البيهقي من طريق إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا الأشجعي، عن بسام الصيرفي، قال: "سألت جعفر بن محمد عن المتعة ووصفتها له، فقال لي: ذاك الزنا".
وأما ابن جريج، فأخرج أبو عوانة في صحيحه عنه أنه قال لهم في البصرة: اشهدوا أني قد رجعت عن حل المتعة، بعد أن حدثهم ثمانية عشر حديثا أنها لا بأس بها.
पृष्ठ 8
وأما ما نقله في التلخيص عن ابن حزم في المحلى مما يشعر أنه بقي على جوازها جماعة من الصحابة وغيرهم، ولفظه: (مسألة): "ولا يجوز نكاح المتعة، وهي: النكاح إلى أجل، وقد كان ذلك حلالا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نسخها الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة"، ثم احتج بحديث الربيع بن سبرة عن أبيه وقد سبق، قال ابن حزم: "وما حرم الله علينا إلى يوم القيامة فقد أمنا نسخه، وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من السلف، منهم من الصحابة: أسماء بنت أبي بكر، وجابر بن عبدالله، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية، وعمرو بن حريث، وأبو سعيد، وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف، قال: ورواه جابر عن الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومدة أبي بكر، ومدة عمر إلى قرب آخر خلافته، قال: وروي عن عمر أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وقال به من التابعين: طاووس، وعطاء، وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة، قال: وقد تقصينا الآثار بذلك في كتاب الإيصال" انتهى كلامه.
فأجيب عنه: بأن الرواية عن أسماء، أخرجها النسائي من طريق مسلم القرى، قال: "دخلت على أسماء بنت أبي بكر، فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، وليس فيه زيادة على حكاية ما وقع في وقته صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يدل السياق على أنها تقول بجوازها.
पृष्ठ 9
وأما جابر، ففي مسلم من طريق أبي نضرة عنه: "فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نهانا عنها عمر فلم نعد لها"، وفي رواية: "تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي بكر، وصدر من خلافة عمر"، وفي رواية: "فعلناها".
قال في المنار: "فهذا الذي حمل ابن حزم على قوله: ورواه جابر عن الصحابة، اغتر بضمير الجمع في قوله: "فعلناها"، وهو يسوغ لجابر أن يكون قال ذلك لفعلهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم يبلغه النسخ حتى نهى عمر عنها، واعتقد أن الناس باقون على ذلك، لعدم الناقل عنه عنده، وقال أيضا: وما ذكر عن جماعة من الصحابة أنهم ثبتوا عليها، فمحمول على أنهم رأوا ذلك إذ لم يرو عن أحد أنه فعلها" انتهى. والمراد ممن يعتد بفعله منهم لما سيأتي أنه قد فعلها البعض.
وقال البيهقي بعد إيراده لحديث جابر هذا: "ونحن لا نشك في كونها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكنا وجدناه نهى عن نكاح المتعة عام الفتح بعد الإذن فيه، ثم لم نجده أذن فيه بعد النهي عنه، حتى مضى لسبيله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان نهي عمر عن نكاح المتعة موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذنا به، ويبين أن عمر إنما نهى عن نكاح المتعة؛ لأنه علم نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه ما روي من طريق سالم بن عبدالله عن أبيه، عن عمر بن الخطاب قال: صعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها، لا أوتى بأحد نكحها إلا رجمته" انتهى.
पृष्ठ 10
وما روي عنه في الصحيح أنه قال: "متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما..." الحديث، معناه أنا أؤكد النهي عنهما، وأبينه للناس، إذ يبعد أنه أراد التشريع بخلاف ما عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما لا يخفى.
وأما ابن مسعود، ففي الصحيحين عنه قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء ثم قرأ: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}[المائدة:87].
وفي لفظ لمسلم: كنا ونحن شباب، فقلنا: يا رسول الله ألا نختصي؟ قال: لا، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبدالله: {يا أيها الذين آمنوا} الآية.
قال البيهقي: "وفي هذه الرواية ما دل على كون ذلك قبل فتح خيبر أو قبل فتح مكة، فإن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، وكان يوم مات ابن بضع وستين سنة، وكان فتح خيبر سنة سبع من الهجرة، وفتح مكة سنة ثمان، فعبدالله زمن الفتح كان ابن أربعين سنة، أو قريبا منها، والشباب قبل ذلك." انتهى.
ومراده أن الغرض من رواية عبدالله حكاية الواقع في وقته صلى الله عليه وآله وسلم من تحليلها للحاجة إليها، وذلك قبل زمن التحريم المؤيد، ولا ينافيه استدلاله بالآية، إذ هي وقت حلها من الطيبات التي لا يجوز تحريمها حينئذ، فليس فيه ما يفيد القول ببقاء تحليلها.
पृष्ठ 11
ويدل له صريحا ما رواه البيهقي من طريق سفيان قال: "قال بعض أصحابنا عن الحكم بن عتيبة، عن عبدالله بن مسعود قال: نسختها العدة والطلاق والميراث يعني المتعة. ورواه حجاج بن أرطأة، عن الحكم، عن أصحاب عبدالله عن عبدالله بمعناه بزيادة: الصداق، ورواه أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن عبدالله.
وأما ابن عباس، فقد تقدم الكلام على ما روى عنه.
وأما معاوية، ففي مصنف عبدالرزاق عن ابن جريج، عن عطاء قال: " أول من سمعنا منه المتعة صفوان بن يعلى بن أمية، قال: أخبرني يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف، فأنكرت ذلك عليه، فدخلنا على ابن عباس، فذكرنا له ذلك، فقال: نعم.
وليس في ذلك ما يعول عليه، ولم يكن معاوية من أهل الاجتهاد حتى يعتد بخلافه، وربما اغتر بما اشتهر من فتوى ابن عباس قبل رجوعه، ولذا استروح إلى سؤاله عند ورود الإنكار عليه".
وأما عمرو بن حريث، فوقعت الإشارة إليه فيما رواه مسلم عن جابر: " كنا نستمتع بالقبضة من الدقيق والتمر الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي بكر، وعمر، حتى نهانا عمر في شأن عمرو بن حريث".
وكذلك معبد وسلمة ابنا أمية. أما سلمة، فذكر عمرو بن شبة في أخبار المدينة بإسناده أن سلمة بن أمية بن خلف استمتع بامرأة، فبلغ ذلك عمر فتوعده على ذلك.
पृष्ठ 12
وأما قصة معبد، فذكرها عبدالرزاق في مصنفه، ووقوع مثل ذلك من هؤلاء على سبيل التفريط والهفوة، إما جهلا بتحريمها، أو تجاهلا عنه، ولذا بادر عمر إلى تقريعهم وتوعدهم، كما فعله أيضا فيما رواه الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب، فقالت: "إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة، فحملت منه، فخرج عمر يجر رداءه فزعا، فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيه لرجمته".
ومثل هذا لا يصدر من عمر إلا في حق غمار العامة، وأفناء الناس، الذين لا يصدر ما فعلوه عن نظر واجتهاد، لما ثبت واشتهر عن الصحابة من عدم النكير والتوعد في مسائل الخلاف بين علمائهم، فكيف تعد تلك الزلة والهفوة من صاحبها قولا معتدا به في مخالفة الإجماع إن ثبت.
أما أبوسعيد، فلم يخرج الرواية عنه في التلخيص ولا ذكرها البيهقي مع استيعابه والله أعلم بصحتها عنه.
وأما خلاف من ذكره من التابعين، فإن صحت الرواية عنهم بالقول بها لم يضر بعد تقرر التحريم قبل حدوثهم، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا قال الأذرعي فيما رواه الحاكم في علوم الحديث: "يترك من قول أهل الحجاز خمس، فذكر منها متعة النساء من قول أهل مكة، وإتيان النساء في أدبارهن من قول أهل المدينة".
وما أحسن ما قاله شارح بلوغ المرام وهو أن المبيحين إنما بنوا على الأصل، لما لم يبلغهم الدليل الناسخ، وليس مثل هذا من باب الاجتهاد، وإنما هم معذورون لجهل الناسخ، فالمسألة لا اجتهاد فيها بعد ظهور النص.
पृष्ठ 13
قال المؤيد بالله في شرح التجريد: فإن قيل: ففي القرآن ما يدل على إباحة المتعة وهو قوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن}[النساء:24]، فإذا ثبتت الإباحة في القرآن، فلا خلاف أنه لا يجوز نسخها بخبر الواحد؟!، قيل له: ليس فيها ما يدل على إباحتها، لأن الاستمتاع في اللغة: هو الانتفاع، ومنه قوله تعالى: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}[الأحقاف:20]، {فاستمتعتم بخلاقكم}[التوبة:69] الآية، فالمراد به: الانتفاع بهن في النكاح الصحيح، وما روي عن ابن عباس أنه قال: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى "، فقد قيل: الرواية ضعيفة، وإن ثبتت فتحمل على أن المراد بها تأخير المهر، وهو يجوز تأخيره إلى أجل. انتهى.
وذكر الموزعي أن تلك الزيادة قراءة ابن عباس، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن جبير، وأن منهم من ذهب إلى نسخها بالطلاق في سورة البقرة، وما فرض من الميراث والعدة والطلاق، وبين وجه التعارض والنسخ بأنا لما وجدنا سنة الله التي شرعها بين الزوجين من استمرار النكاح، ووقوع الطلاق وفرض الميراث، ووجوب العدة معارضا لخصائص المتعة، لأن المتعة: قول الرجل للمرأة: أتزوجك على كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا، على أن لا ميراث بيننا ولا طلاق ولا عدة، استدللنا على أن أحدهما ناسخ للآخر، فوجدنا الشرع استقر على هذا، وبينت السنة تحريم نكاح المتعة، فجعلناها مبينة للناسخ في القرآن لا ناسخة للقرآن.
पृष्ठ 14
ثم تعقب ذلك بأنه لا تعارض بين نكاح المتعة والنكاح الصحيح، وأشار إلى نحو ما ذكره المؤيد بالله من أن الآية محكمة، وأن المراد منها النكاح الصحيح، ثم قال: ويقوي تأويلها بنكاح المتعة قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}[النساء:24]، فإذا رفع الجناح لا يستعمل في اللسان في أداء الفريضة، ولا في فعل البر، وإنما يرد فيما له أصل في المنع يعني وذلك كالزيادة على الأجل المؤقت، فليس المراد منه أنه لا إثم عليكم في أن تهب المرأة للزوج مهرها، أو يهب الرجل للمرأة تمام مهرها إذا طلقها قبل الدخول.
قال: فإن قيل: قراءة الصحابي بطريق الآحاد لا تثبت قرآنا، ولا تبلغ بيان السنة عند المحققين.
قلنا: ينبغي أن يكون هذا بمنزلة التفسير، وتفسير الصحابي أولى من تفسير غيره على الصحيح عندهم في تفسير السنة بأحد الوجوه عند قيام احتمالها، وكذلك ينبغي أن يرجحوا به أحد الوجوه عند احتمال القرآن لها، ولم أر هذا لأحد من الأصوليين، ولكنه متجه عندي.
ثم ذكر بعد ذلك قول من ذهب إلى أن الآية محكمة في نكاح المتعة، وعزاه إلى ابن عباس وأتباعه وفيه نظر من وجوه:
पृष्ठ 15
(الأول ): أن من ذهب إلى النسخ لم يجعل الناسخ مقصورا على ما ذكره من آية الطلاق والميراث ونحوها، بل هو أحد ما قيل فيه، وقد روي عن ابن عباس أن الناسخ لها قوله تعالى: {محصنين غير مسافحين}[النساء:24]، أخرجه عنه ابن أبي حاتم، وفيه: كان الإحصان بيد الرجل، يمسك متى شاء، ويطلق متى شاء. وروي عنه أيضا أن الناسخ قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم}[النساء:23] إلى آخر الآية. قال فحرمت المتعة، وتصديقها من القرآن: {إلا على أزواجهم}[المؤمنون:6، المعارج:30] إلى قوله: {فأولئك هم العادون}[المؤمنون:7، المعارج:31]، أخرجها البيهقي والطبراني، وفيه موسى بن عبيده الربذي وقد تقدم.
(الثاني): أن قوله: لم يرد رفع الجناح إلا فيما له أصل في المنع ينازع فيه بأنه ورد في كتاب الله تعالى على أنحاء مرجعها إلى رفع الإثم المعلوم أو المظنون، فمن الأول: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}[النساء:101]، {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء}[البقرة:235]، ومن الثاني: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}[البقرة:198]، فإنه لم يسبق منعهم عن التجارة، ولكنهم ظنوا أن أعمال الحج لا يشوبها غيرها من الأعمال المباحة، فكان نفي الجناح لرفع ما ظنوه إثما، ومن ذلك هذه الآية، فإن فيه رفع الإثم عما ظنه الزوجان ثابتا فيما يريدانه من هبة أو نحوها بعد فرض الصداق.
पृष्ठ 16
(الثالث): أن الوجه الذي ارتضاه تفسيرا للمراد من الآية، إنما يصح إذا كان الصحابي معتقدا لبقاء حكمه، وأما إذا ورد عنه ما يقضي بعدم البقاء عليه فلا، وقد تقدم ما روي عن ابن عباس من القول بنسخها وما تقدم عنه أيضا عند البخاري، وصاحب غرر الأخبار، والخطابي من رجوعه، ويؤيده أيضا ما أخرجه أبو داود في ناسخه، وابن المنذر، والنحاس من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}[النساء:24]، قال: نسختها {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}[الطلاق:1]، {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}[البقرة:228]، {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر}[الطلاق:4]، وبهذا تندفع نسبته إلى ابن عباس القول: بأن الآية محكمة.
(الرابع): أن ما نفاه من كون معنى الآية: لا إثم عليكم في أن تهب المرأة للزوج مهرها... إلخ، خلاف ما ورد عن ابن عباس وغيره، فأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، عن ابن عباس في قوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}[النساء:24]، قال: "التراضي أن يوفي لها صداقها ثم يخيرها"، وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن شهاب في الآية قال: "نزل ذلك في النكاح، فإذا فرض الصداق فلا جناح عليهما فيما تراضيا به من بعد الفريضة أو صنعت إليه"، وذكر في الدر المنثور آثارا بمعناها.
पृष्ठ 17
(واعلم): أنه ورد على القول بالنسخ سؤال، وهو أن الأدلة في إباحتها قطعية؛ لأنها إما من القرآن وهو قطعي، أو من السنة وقد بلغت حد التواتر المعنوي، ولا قائل بإنكارها من الأصل، واختلفت أقوال العلماء في جوابه.
فقال الإمام يحيى: إباحتها ظنية لثبوتها بأخبار الآحاد، فيجوز نسخها بأخبار الآحاد، وفيه نظر، إذ قد حصل من مجموع أدلة الإباحة ما يفيد التواتر معنى، كما يجده الباحث مع ما يعضده من الآية الكريمة على قول من حملها على نكاح المتعة، إلا أنه يقال في الآية: إنها وإن كانت قطعية المتن، فهي ظنية الدلالة، ولذا اختلفت فيها أقوال المفسرين، فالنسخ للدلالة لا للمتن، وهو الذي روي عن ابن عباس وغيره.
ومنها ما ذكره الموزعي في التخلص عن هذا الإشكال وهو: أن السنة مبينة للناسخ، لا ناسخة القرآن كما سبق نقله، وقال في نهاية المجتهد: "إنها تواترت الأخبار بالتحريم، إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم". انتهى.
وفيه أنه ليس من الاختلاف في شيء، بل مما تكرر فيه التحريم
والإباحة كما عرفته، ومحل النزاع في التحريم الأخير المؤبد هل نقل تواترا أم لا؟.
[كلام الإمام المؤيد بالله عليه السلام في نسخ الخبر الآحادي للمعلوم، واستدلاله]
وقال المؤيد بالله: الأصل في خبر الواحد أنه مقبول إذا سلم سنده، ولا يمتنع أن ينسخ به ما هو معلوم، كما يقبل خبر الواحد فيما يحظره العقل، وفي حظر ما أباحه، وكما يقبل في استباحة الفروج مع أن حظرها معلوم على الجملة شرعا، واختار ذلك من المتأخرين المحققان الجلال والمقبلي، وهو مذهب الظاهرية.
पृष्ठ 18
ولا يرد أن الظني لا يقاوم القطعي، فلا يجوز رفعه به؛ لأن دليل المنسوخ ليس بقطعي في الدوام، بل ظني الدلالة فيه، فكان من رفع الدوام المظنون بالمظنون، وتضمن الرفع بيان انتهاء مدة الحكم الشرعي؛ ولأنه قد صح تخصيص المتواتر بالآحاد، فيجوز النسخ بها؛ لأن في كل منهما بيانا للمراد من المخصوص والمنسوخ، إلا أن الأول في الأعيان، والثاني في الأزمان، وتوضيحه أن العموم مراد به البعض دون الكل، والتخصيص قرينة تلك الإرادة، والمنسوخ من المطلق الذي أريد به المقيد، والنسخ قرينة التقييد، وبهذا يندفع ما يقال: التخصيص بيان، وجمع بين الدليلين دون النسخ، فهو إبطال ورفع، فيكفي في الأول دون الثاني، على أن في العمل بالناسخ جمعا أيضا، لحصول العمل بأحدهما في الزمان الأول، وبالثاني وفي الزمان الآخر.
واعلم ثانيا أنه قال في البحر: وتحريمها ظني لأجل الخلاف، وإن صح رجوع من أباحها لم تصر قطعية، على خلاف بين الأصوليين. انتهى.
يعني والمختار: أنه لا يصح أن يقع إجماع على مسألة بعد اختلاف في عين تلك المسألة، كما هو قول جماعة، وفصل بعضهم بأنه إن رجع عن قوله إلى قول بقية أهل العصر لدليل ظني، فالظن لا ينقض الظن، وإن رجع لدليل قطعي صار قطعيا، ولكنه مبني على اعتبار الخلاف في هذه المسألة، وقد عرفت فيما تقدم أنه لم يتحصل فيها خلاف محقق من الصحابة والتابعين والله أعلم.
पृष्ठ 19