وكان يوجد في الدول الإغريقية التي نشأت بعد أوميرس طائفة من العادات الشيوعية، كالمروج البلدية، حافظت عليها بعض الأمم حتى أيامنا كالسويسريين والروس مثلا. وأدخل المهاجرون إلى جزائر ليباري عادة العمل والأكل معا؛ أي أدخلوا هذه العادة الإغريقية المناقضة لعادة أعدائهم الإتروريين الذين كان يؤلف من أشرافهم طبقة منفصلة. وكان فريق من القوم يكافح القراصين، وكان فريق آخر يزرع الأرض، فكان بعض الشعب يحمي بعضه الآخر فيغذيه هؤلاء مقابلة. ثم قرر توزيع الأرض ثانية في كل عشرين سنة لكيلا يؤدي الثراء الموروث إلى الكسل، ثم ظهر فلاحو ليباري مرنين، وإن شئت فقل ماكرين، فصاروا يعطون القراصين جزية سنوية ليتمتعوا بالسلم في حقولهم.
وأهل أثينة، وإن لم يخترعوا النقود ولا ضرب النقود، ما عزي هذا الاختراع إلى اللوديين، وما استعملوا النقود في القرن السابع قبل الميلاد، لم يلبثوا أن فاقوا الأغارقة الآخرين بروحهم التجارية. ولم يقم مبدأ الشرف، الذي نما بتحول التملك العقاري إلى تملك وراثي، على غير التصرف في الأرض مع إضافة السلب والقرصنة إليه. ومنذ هذا الدور أخذت طبقة الأشراف بأثينة وكورنث وساموس وغيرها من المدن تقبل على التجارة البحرية مع أن ذلك كان يعد نزولا عن المرتبة. وهكذا حدث بين دور أوميرس ودور سولون تحول الشريف إلى تاجر كتحول لوردات الإنكليز السابقين إلى اللوردات المعاصرين. وبما أن الأغارقة كانوا يجوبون سواحل إيطالية وأفريقية؛ أي كانوا ينهبون ويقايضون ويتاجرون، فقد كانوا يغيرون نظمهم السياسية بسرعة بعد ابتلاء.
وكانت القبائل اليونانية الكثيرة تلاقي في كل محل، تلاقي في البحر المتوسط وفي مكان بعيد من غربه، مستعمرات فنيقية قديمة فتدحرها بوسائل سلمية في بعض الأحيان. وكان الأغارقة يحصلون على سلع أفريقية الغربية من مصر وليبية، وعلى سلع سورية من قبرس، وعلى قمح سهوب روسية وعبيدها من البحر الأسود، ومما كان يحدث أحيانا أن تسوى الأمور تسوية ودية بين مستعمري الأغارقة والقرطاجيين فيعملون معا كما في قورين، ومع ذلك فقد قهر الأغارقة من قبل القرطاجيين كما قهروا من قبل الإتروريين.
وفي كل مكان كانت تجاوز البحر وتقتحم المخاطر مدن وقبائل منعزلة، وتتجلى فردية جامعة، نشأت عن الأرخبيل، في المئات من الحروب الصغيرة التي كانت تشتعل بين الأغارقة في أثناء المغازي البحرية، ويمضي زمن فتنجم هذه الفردية عن كثرة الفلسفات والمذاهب السياسية أيضا.
وبما أن البلد كان عاطلا من السهول المركزية والأودية العريضة فإن كل عقيق
104
يود لو يبقى، أو يصير، مستقلا فينفرد بين الجبال، وذلك على حين كان السكان يتلاقون في أثناء أسفارهم البحرية، وإذا ما قد الأولاد خريطة شواطئ اليونان الممزقة ووضعوها تجاه الضوء حصلوا تقريبا على رسم ورقة القيقب
105
التي جففها الخريف، وما انفك تاريخ اليونان يوحي بمثل هذا الرسم.
ومع ذلك، ومع كثرة فتن الأغارقة، كان هؤلاء يختلفون عن المستعمرين الآخرين بجلبهم الروح فضلا عن تجارتهم ورغبتهم في الغنى، وكان هذا كهذب إغريقي يثبت في حاشية ثوب البرابرة حول البحر المتوسط. وما الذي كان يمسك هؤلاء النفر بعيدين من أوطانهم لولا أوميرس ومغامرة تروادة ومصلحة وحدة اليونان؟ وكانت توجد أيضا معابد دلوس ودلف، كان يوجد هذا «الوطن المشترك» كما يسميه بلوتارك الذي وكد نفوذ الكهان في قرون. وفي الواقع أن أمر دلف لم يقم على هاتف نبوي، بل كان أيضا سلطانا أدبيا وسياسيا موزعا للنصائح، فوضع حوالي سنة 600 قبل الميلاد، وعلى وجه غير مباشر على الأقل ومع اتحاد بمعبد آخر، أسس أول اتحاد إغريقي، أسس حلف الأنفكتون.
अज्ञात पृष्ठ