وأوغل البحر في البر في صفحات أخرى للصراع، فطم اليم برجا بالقرب من بيروت وطمر البحر بعض أحياء يافا.
وأسفر ارتداد الأمواج إلى الوراء في الجزائر عن انهدام مباني الرومان، واليوم يهدد هذا الارتداد أبنية الفرنسيين هنالك، وتقلص الساحل في طرابلس ومالطة على حساب البر في القرن الأخير.
غير أن ذكاء الإنسان ينتصر أحيانا، فيحول قوة البحر المخربة إلى ما فيه نفعه، وتثير دلتا الأنهار مسائل خاصة لقلة الاختلاف في مستوى المناقع التي تيسر تكوينها، وقد يصبح التراب الصالح للفلاحة والذي يدخر فيها مفيدا أو خطرا وفق صنائع المجاورين وعبقريتهم، ويكون إنشاء المرافئ الكبيرة في جهة من الدلتا غاليا صعبا كما في الإسكندرية ومرسيلية وسلانيك، وليس في غير الفرض الطبيعية، كفرض طولون وسبيزية، ما يسهل إنشاء الموانئ.
وتكون بلد من الغرين في مصب نهر الرون من فرنسة، وصارت جزر من اليابسة، وتؤلف مصاب الأنهار على الساحل بين البرانس والألب مراكز ارتكاز منحنية ثماني مرات على شكل هلال يربط رأسا برأس وظاهرة أنها من صنع الإنسان، وينحدر قعر البحر بانتظام في تلك البقعة فيقيس صيادو السمك به ابتعادهم عن الشاطئ بحسب العمق.
ومع ذلك فقد قضت الضرورة في القرون الستة أو السبعة الأخيرة بترك ذلك الشاطئ الرائع الانحناء داخلا وخارجا نتيجة لكثرة غرينه، وابتعدت أربونة، التي يرجعها بعضهم إلى عصر أوميرس، عن الساحل في غضون القرون فربطت بالبحر بقناة منذ القرون الوسطى.
وتبعد إغمورت من الساحل ميلا بعد أن كانت مرفأ حتى القرن الثالث عشر، وترى أغد أرضا ذات كروم في الوقت الحاضر بعد أن كان البحر يغمرها منذ مائة عام، وصارت فريجوس ومونبليه وآرل وست مدنا برية، وعلى شاطئ إيطالية الغربي، ترتد سبيزية باستمرار حيال ذلك، وتضيق فرضة بورتوفينو مقدارا فمقدارا، ويتسع مصب التيبر، ويرمل قسم من الساحل بالقرب من كرارة.
وجميع تلك المدن تصرف الذهن إلى البرمائيات التي لا بد لها من التحول إلى حيوانات برية بحكم الأحوال إذا ما أرادت البقاء.
6
بلغت كثرة اصطراع الآدميين واحتراب العناصر من تحويل وجه الأرض ما لا تجد معه كبير صلة بين أية خريطة عصرية وأحسن الخرائط القديمة.
ومع ذلك يظل العالم المستتر تحت المياه ثابتا، ولو استطاع غواص في زمن أوميرس أن يصل إلى قعر البحر بمثل الأجهزة العصرية لأبصر فيه من ذوي الحياة ما يشابه موجوداته الحاضرة.
अज्ञात पृष्ठ