وهي تبصره يعقد حبالا معدة لإدارة الأشرعة حول السارية، وهي تراه يصنع في نهاية الأمر عتلة يستطيع أن ينزل الرمث
7
بها إلى البحر، ويتم أوليس عمله في أربعة أيام من غير أن ينال عونا أبدا، وفي صباح اليوم الخامس، وبعد وداع يمزق الفؤاد، تأتيه الحورية بقربة مملوءة خمرا وبقربة أخرى مملوءة ماء مع أغذية في سلة محبوكة فيضع ذلك في سفينته الجديدة، ثم توجب نسيما لينا أمامه، وذلك ما يقصه أوميرس علينا في الأغنية الخامسة.
ويشق زورق أوليس عباب البحر المتلاطم في ثمانية عشر يوما، غير أن الزورق يتمايل ويهتز بعنف، ثم يتدهور الرجل في الأمواج، وتقذف العاصفة أوليس نحو صخر الشاطئ مختنقا ، ويسبح أوليس حتى مصب النهر، ويسقط في أدغال حافة غابة ميتا تقريبا داعيا همسا.
وكانت الجزيرة الجديدة التي بلغها أوليس بلد الفياك؛ أي سفالونية على ما يحتمل، وفي هذه المرة أيضا تنقذ امرأة تيس المغفرة وصاحب الآلهة، ونوزيكا هي التي ودت إمساكه، وهي التي لم تتعب من سماع حديثه عن قصة ترواده وكيف أنه تاه بين جزيرة وجزيرة هنالك، في الغرب، حول جزيرة صقلية، وأخيرا يغمر بهدايا ثمينة ويركب قاربا ذي مقاذيف، ويعده ملاحو الفياك بأن يرجعوه إلى إيتاك، وهذا هو آخر سفر له، ويضطجع أوليس على وسائد ونسائج ويذكر معارك السنين الماضية وآلامه، ثم ينام نوما عميقا هادئا قريبا من الموت تقريبا، ويصل الملاحون إلى إيتاك بعد نهار وليلة، ولكن أوليس ينام دوما ويرفعونه ويضعونه على الشاطئ غارقا في نومه، وذلك مع بسطه ووسائده، وذلك أمام مغارة وتحت ظل زيتونة.
وهكذا تتم الرحلتان الأوليان بحرا، فتوحي غيوم البحر المتوسط وأمواجه بهما إلى الأسطورة فتنا لقلوب الناس، وقد وصفت العواصف والسكون والشواطئ والصخور والأطواف والسفن والكهوف والبساتين والمعارك بين الأمم وقرى النساء ومعاشقهن والقدر حين يحلق فوق الجميع، والقدر إذ يتجلى في شخص الآلهة دائما، تغير الآلهة، بنعمها ووعيدها، ما هو أزرق من الأمواج، وتنظم مجرى مغامرات جديدة على الدوام.
وذلك لأن البحر المتوسط أجمل من جميع البحار، وهو البحر المختار بين البحار الأخرى بوضعه وشكله وجوه، وهو أول ما اكتشف وما وقع الطواف فيه، وهو هيلانة البحار، وهو مثلها مبتغى جميع من أبصروه فافتتحه أكثر الناس إقداما بعد معارك دامت ألفي سنة، لا عشر سنين، ثم كدر صيته بما نالته من الفخار بحار أحدث منه وأبعد، ثم أعيد اكتشافه بعد ثلاثمائة سنة، فاقتتل في سبيله مجددا على مرأى منا، ولماذا؟
أوليس أصغر من البحار المحيطة المحدقة به؟ أولم تفتح هذه البحار المحيطة في الحين بعد الحين من قبل سفن كبيرة وتجاوز في بضع ساعات على أجنحة الفضاء النشوى؟ ولم يقتتل في سبيله إذن؟
ذلك لأنه مهد الإنسانية، ذلك لأن كل واحد يعلم أن من صميمه ظهر الجمال والعرفان والبأس، والناس يعودون إلى البحر المتوسط كما يعودون إلى أمهم.
2
अज्ञात पृष्ठ