356
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ أي بيانًا من ربكم وحجة من ربكم، وهو محمد ﷺ والقرآن وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا أي بيانًا من العمى وبيان الحلال من الحرام، وهو القرآن. قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ أي صدقوا بوحدانية الله تعالى وَاعْتَصَمُوا بِهِ أي تمسكوا بدينه فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ يعني الجنة وَفَضْلٍ أي الثواب وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ أي يرشدهم إلى دينه، ويوفقهم لذلك. وفي الآية تقديم وتأخير فكأنه يقول: يهديهم في الدنيا صِراطًا مُسْتَقِيمًا أي دينًا لا عوج فيه، ويثيبهم على ذلك ويدخلهم في الآخرة في رحمة منه وفضل وهو الجنة والكرامة.
قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ يعني يسألونك في حكم الميراث قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ روي عن قتادة أنه قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد، وكذلك قال ابن عباس:
وروي عن أبي بكر الصديق ﵁ أنه قال: أنى قد رأيت رأيًا فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن نفسي ومن الشيطان: الكلالة ما عدا الوالد والولد. وعن عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال: ثلاث لا يكون رسول الله ﷺ بينهن لنا كان أحب إلي من الدنيا وما فيها: الكلالة، والخلافة، وأبواب الربا. وروي عن النبي ﷺ أنه سئل عن الكلالة فقال: «أَلَمْ تَرَ الآيةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ» يعني هذا تفسير الكلالة. وهذه الآية نزلت في شأن جابر بن عبد الله، سأل رسول الله ﷺ فقال: إن لي أختًا فما لي من ميراثها؟ فنزلت هذه الآية، فبيّن ميراث جابر أولًا ثم ميراث أخته، فصارت الآية عامة لجميع الناس. قال: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ يعني إن مات رجل لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ من المال وَهُوَ يَرِثُها يعني إذا ماتت الأخت والأخ حيّ ورثها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ وقد ذكرت الآية حكم الأخ والأخت إذا لم يكن لهما ولد، ولم يبين أنه لو كان لأحدهما ولد فمات أحدهما فما حكمه؟ ولكن بيّن على لسان رسوله ﷺ أن للابنة النصف، وما بقي فللأخت وإن كانت الأخت هي التي ماتت وتركت ابنة وأخًا، فللابنة النصف وما بقي فللأخ. وفي هذا إجماع وفي الأول اختلاف قال ابن عباس: لا ترث الأخت مع الابنة شيئًا، وخالفه جميع الصحابة وقالوا كلهم: الأخوات مع البنات عصبة.
ثم قال تعالى: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ يعني: إذا كان للميت أختان أو أكثر فلهما الثلثان إذا كانتا اثنتين، وإن كنَّ أكثر من ذلك فلهنَّ الثلثان أيضًا بالإجماع. ثم قال:
وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً يعني إخوة وأخوات فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يعني لكل أخٍ سهمان ولكل أخت سهم، هذا إذا كانت الإخوة والأخوات من الأب والأم أو من الأب خاصة، فأما إذا كانوا من قبل الأم فهم شركاء في الثلث، ليس لهم أكثر من ذلك كما ذكرنا في أول السورة، وهذا بالإجماع. ثم قال ﷿: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا أي يبين الله لكم قسمة المواريث لكي لا تضلوا ولا تخطئوا في قسمتها. وقد يحذف لا فيراد به إثباته كقوله

1 / 362