बहर उलूम
بحر العلوم
لابن أخيه، فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه العم، فنزلت الآية فقرأها عليه النبيّ ﷺ فقال الرجل: أطعنا الله ورسوله، ونعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع إليه ماله، فلما قبض الفتى ماله أنفقه فِى سَبِيلِ الله. فقال النبيّ ﷺ: «لَقَدْ أصَابَ الأَجْرَ وَبَقِيَ الوِزْرُ» فقالوا كيف بقي الوزر وقد أنفقه فِى سَبِيلِ الله؟ فقال: «أصَابَ الغُلامُ الأجْرَ وَبَقِيَ الوِزْرُ عَلَى وَالِدِهِ» .
قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى يعني: ألا تعدلوا في أموال اليتامى، يقال في اللغة: أقسط الرجل إذا عدل، وقسط إذا جار. وقال ﷺ: «المُقْسِطُونَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . يعني العادلون. قال الله تعالى: أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا
[الجن: ١٥] يعني الجائرون. ثم قال تعالى: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ
وذلك أنهم كانوا يسألون عن أمر اليتامى ويخافون ألا يعدلوا، وكانوا يتزوجون من النساء ما شاؤوا، فنزلت هذه الآية وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يعني فكما خفتم ألا تعدلوا في اليتامى، فخافوا في النساء إذا اجتمعن عندكم ألا تعدلوا بينهن. وروى عروة عن عائشة ﵂ أنها قالت: كان الناس يتزوجون اليتامى ولا يعدلون بينهن، ولم يكن لهم أحد يخاصم عنهن، فنهى الله المؤمنين عن ذلك فقال: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى الآية. ويقال: إنهم كانوا يتزوجون امرأة لها أولاد أيتام، وكانوا لا يحسنون النظر إليهم، فنزل وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ يعني بغير ولد مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ.
ثم قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا في القسم والنفقة فَواحِدَةً يقول: تزوجوا امرأة واحدة، وإن خفتم ألا تعدلوا في الواحدة أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني الإماء، ويقال إن خفتم ألا تعدلوا في القسم بين النساء فواحدة، أي واشتروا الإماء لأن الواحدة لا تحتاج إلى القسمة، والإماء لا يحتاج فيهن إلى القسمة. وقال بعض الروافض بظاهر هذه الآية أنه يجوز نكاح تسع نسوة، لأنه قال مثنى وثلاث وَرُبَاعَ، فيكون ذلك تسعًا. ولكن أجمع المفسرون أن المراد به التفصيل لا الاجتماع، ومعناه مثنى أو ثلاث أو رباع، وبذلك جاءت الآثار، وهو حديث غيلان بن سلمة أنه أسلم ومعه عشر نسوة، فخيّره النبيّ ﷺ فاختار أربعًا وفارق البواقي. وروي عن الكلبي ومقاتل أن قيس بن الحارث كان عنده ثمان نسوة حرائر، فلما نزلت هذه الآية أمره رسول الله ﷺ أن يطلق أربعًا ويمسك أربعًا. وروى محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير، أن ذلك كان الحارث بن قيس الأسدي، وهذا هو المعروف عند الفقهاء.
ثم قال تعالى: ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا أي أحرى ألا تميلوا ولا تجوروا ولا تظلموا.
[سورة النساء (٤): الآيات ٤ الى ٦]
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافًا وَبِدارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٦)
1 / 280