ثم قال ﷿: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ، أي حبستم عن البيت بعد ما أحرمتم. وقال القتبي:
الإحصار هو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كسر أو عدو. وقال الفراء:
الإحصار ما ابتلي به الرجل في إحرامه من المرض أو العدو وغيره. وقال بعضهم: لا يكون الإحصار إلا من العدو. وقال بعضهم: يكون من العدو وغيره، وبه قال علماؤنا ﵏.
ثم قال: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، أي ابعثوا إلى البيت ما استيسر من الهدي، والله تعالى رخص لمن عجز عن الوصول إلى البيت بالعدو أن يبعث الهدي، فينزع عنه بمكة، ويحل الرجل من إحرامه إذا ذبح هديه، ويرجع إلى أهله، ثم يقضي حجه وعمرته بعد ذلك.
ثم قال تَعَالَيْ: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، يعني المحصر إذا بعث بالهدي، لا يجوز له أن يحل من إحرامه ما لم يذبح هديه. يقول: لا يحلق رأسه، حتى يكون اليوم الذي واعده فيه، ويعلم أن هديه قد ذبح. ثم صار هذا أصلًا لجميع الحجاج من كان قارنًا أو متمتعًا، لا يجوز له أن يحلق رأسه إلا بعد أن يذبح هديه وإن لم يكن محصرًا.
ثم قال تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ، يعني إذا حلق رأسه على وجه الإضمار مثل قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: ١٨٤] يعني إذا كان أفطر. وروي عن كعب بن عجرة أنه قال: فيَّ نزلت هذه الآية. وذلك أن النبيّ ﷺ مر بي والقمل يتناثر على وجهي، فقال: «أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» فقلت: نعم. فأمر بي بأن أحلق رأسي فقال: «احْلِقْ رَأْسَكَ، وَأَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِين، لِكُلِّ مسكين نصف صاع من حِنْطَةٍ، أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَنْسِكْ نَسِيكَةً» يعني اذبح شاة، فنزلت هذه الآية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ، أي شاة يذبحها حتى يبلغ الهدي محله. ويروى عن عبد الرحمن الأعرج أنه قرأها: بتشديد الياء.
وواحدها هدية. وقرأ الباقون: بالتخفيف يقال للواحدة: هدي وهدية.
ثم قال: فَإِذا أَمِنْتُمْ وهذا على سبيل الاختصار والإضمار. ومعناه فإذا أمنتم من العدو، فاقضوا ما وجب عليكم من الحج والعمرة. ويقال: إذا أمنتم من العدو وبرأتم من المرض، فحجوا واعتمروا. فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، يعني فعليه ما تيسر من الهدي وللمتمتع أن يحج ويعتمر في سفرة واحدة من أشهر الحج.
والمحرمون أربعة: مفرد بالحج ومفرد بالعمرة والمتمتع والقارن، فأما المفرد بالحج أن يحج ويعتمر والمفرد بالعمرة أن يعتمر ولا يحج، وأما المتمتع أن يعتمر في أشهر الحج ويمكث بمكة حتى يحج بعد ما فرغ من عمرته، وأما القارن فهو الذي يحرم بالحج والعمرة جميعًا.
فمن كان مفردًا بالحج أو بالعمرة، فلا يجب عليه الهدي ومن كان متمتعًا أو قارنًا، فعليه الهدي. وقال عبد الله بن عمر أنه قال: الهدي: الجزور. وقال ابن عباس: أقله شاة وبه قال علماؤنا.
1 / 131