لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ
، يعني يقولون: نحن عبيد الله وفي ملكه إن عشنا فعليه أرزاقنا، وإن متنا فإليه مردنا وإليه راجعون بعد الموت، ونحن راضون بحكمه. أُولئِكَ، يعني أهل هذه الصفة عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ. والصلاة من الله تعالى على ثلاثة أشياء: توفيق الطاعة والعصمة عن المعصية ومغفرة الذنوب جميعًا، فبالصلاة الواحدة تتكون لهم هذه الأشياء الثلاثة، فقد وعد لهم الصلوات الكثيرة، ومقدار ذلك لا يعلمه إلا الله.
ثم قال: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ، أي الموفقون للاسترجاع. وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: لم يكن الاسترجاع إلا لهذه الأمة، ألا ترى أن يعقوب- ﵇ قال: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يوسف: ٨٤] فلو كان له الاسترجاع، لقال ذلك وروي عن عثمان بن عطاء، عن أبيه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ ذَكَرَ مُصِيبَةً أَوْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَرْجَعَ، جَدَّدَ الله ثَوَابَهُ كَيَوْمِ أُصِيبَ بِهَا» . وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَلْيَتَذَكَّرْ مُصِيبَتَهُ فِيَّ، فَإِنَّهَا مِنْ أعْظَمِ المَصَائِبِ» . وروي هذان الحديثان، عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله ﷺ أيضًا. وروي عن عمر بن الخطاب- ﵁ أنه قال: نعم العدلان ونعم العلاوة فالعدلان قوله تعالى: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، والعلاوة قوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
[سورة البقرة (٢): آية ١٥٨]
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)
قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، قال أهل اللغة: الصفا الحجارة الصلبة التي لا تنبت بها شيء. والواحدة: صفاة. يقال: حصى وحصاة. والمروة: الحجارة اللينة.
والشعائر: علامة متعبداته. واحدها شعيرة. يعني أن الطواف بالصفا والمروة من أمور المناسك، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما. روي عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ: فَلاَ جناح عليه أن لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. وروي عن ابن عباس، وأنس بن مالك أنهما كانا يقرآن كذلك. ومعنى ذلك، أن من حج البيت أو اعتمر فترك السعي، لا يفسد حجه ولا عمرته، ولكن يجب عليه جبر النقصان وهو إراقة الدم، وفي مصحف الإمام فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما بحذف كلمة (لا) . وذلك أن أهل الجاهلية كان لهم صنمان على الصفا والمروة: أحدهما يقال له (اساف) والآخر (نائلة)، وكان المشركون يطوفون بين الصفا والمروة ويستلمون الصنمين. فلما قدم النبيّ ﷺ بعمرة القضاء، كان الأنصار لا يسعون فيما بين الصفا والمروة ويقولون: السعي فيما بينهما من أمر المشركين فنزلت هذه الآية. ويقال: إن النبيّ ﷺ لما فتح مكة، طاف بالبيت والمسلمون معه، فلما سعى بين الصفا والمروة، رفع المسلمون
1 / 106