لم يكن وصلك إلا حلما
في الكرى أو خلسة المختلس
وكأنها كانت في تلك الساعة متنبئة عن نفسها، متنبئة بأن وجودها بيننا ليس إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس، وأنها راحلة عما قريب في مقتبل العمر ونضارة الشباب!
ولكن موتها ليس فناء؛ إن أمثالها يحسنون للجمهور، وهي محسنة للجنس النسائي خصوصا في هذا العصر الذي تخطو فيه المرأة خطوتها الأمامية في سبيل الارتقاء. نحن في حاجة شديدة إلى نساء تتجلى فيهن عبقرية الرجال دون أن يفقدن صفاتهن النسائية الجميلة من لطف العاطفة وعذوبة الخلق، والرقة والدعة والاستقامة والإخلاص. كذلك كانت باحثة البادية التي برزت شخصيتها فأعلت شأن بنات جنسها؛ إذ ظهرت كاتبة كبيرة، ومصلحة غيورة، وامرأة عاقلة، وصديقة أمينة. فشغلت في حياتنا الأدبية، وفي حياة المرأة الشرقية عموما، مركزا ساميا جليلا قلما يبلغه غيرها.
فلئن بكيت اليوم الصديقة الوفية والثغر الحلو البسام، فإني أحيي المرأة الخالدة بمآثرها وأحني الجبهة أمام المحسنة الغيورة. إن باحثة البادية لا تموت ولا يمكن أن تموت، وستظل حسناتها باقية ما بقيت لغة القرآن. والشعلة التي توارت اليوم في ظلمة القبر هي هي التي تطل من سماء البقاء منيرة طريق الارتقاء للمعجبين بها الآسفين عليها.
فوداعا أيتها الراحلة الكريمة! لئن نزل البلى بيدك الرطبة فإن الخلود نصيب ذكرك وفضلك. سيري إلى حيث لا حجاب ولا سفور، حيث النور شامل والجمال مقيم! هناك يحيط بك أمثالك من الأرواح الكبيرة في دار هي مقر الذكاء والنبوغ، فأنت حقيقة بسكناها وهي حقيقة بأن تسكنيها.
وأنا التي عرفتك وأحببتك، مع الدموع التي أذرفها على ذكرك ترينني جاثية أمام ضريح ضم جسمك الثمين لأضع عند جوانبه باقة أزهار تعبر عن شكرنا لك. لكن الأزهار تموت، أما شكرنا فخالد كفضلك!
مي
الفصل الثاني عشر
تأثير باحثة البادية
अज्ञात पृष्ठ