وكذلك صلح الحسن [عليه السلام] لمعاوية جار هذا المجرى، ويجوز لكل إمام ومحتسب محق مثل هذا ولو لم تكن مدة معلومة مع الظلمة وعدم الناصر ولا يلزمه تمام ذلك إذا وجد الناصر لكونه ليس بعهد وإنما هو تقية لدفع شرهم إذا كانوا مرتكبين المناكر، وإذا زالت التقية لوجود الناصر زالت رخصتها، وإذا قال أمير المؤمنين علي عليه السلام وقوله حجة، ولولا زوال العاذر وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، وليس مهادنتهم عهدا فيجب الوفاء به ويعاقب الإنسان على تركه لخيانتهم لكن لا يعذر بهم ويخبرهم ويعذر إليهم وينذر ويبلغ الحجة ويزيل الشبهة لقوله تعالى: {فإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين}(1) وكما فعل أمير المؤمنين عليه السلام أيام صفين ويوم الجمل والنهروان؛ وأفعاله [61ب] وأقواله حجة ولم ينكرها أيضا عليه أحد فكان ذلك إجماعا، فإذا صالحهم على وجه المهادنة كما ذكرنا أو على مدة معلومة مع وجود الناصر لمصلحة من ضعف أتباعه أو نحو ذلك هاجرهم على وجه لا يشمله مساكن شوكتهم كفوق الميل من مدتهم وحصونهم، فإن لم يجد إلا أظلم منهم أو طبقوا الأرض كالدولتين فهجرته أن لا يرى منكراتهم ولا ردهم إلا للتفكر والاعتبار، ولا يحضر جمعهم ونحوها إلا لخشية تلف أو ضرر عليه أو على غيره محترما أو أخذ مال مجحف به جاز الحضور ويعيد الصلاة ويعيد الزكاة والفطرة والأخماس التي سلمها إليهم إلا أن يوكلهم بصرفها وينوي قبل أن يسرقوها ويضعوها في مصرفها وهو يشاهدهم فقد أجزأته.
فأما إن قالوا: صرفوها بعد توكيلهم، فلا يجزئ إلا أن يتواتر له بخبر غيرهم أو بقول عدل أو عدله فيجزيه.
فصل [
إذا كانت الأرض كلها شوكة ظلمة فسقة في أوقات الفترة بين الأئمة والمحتسبين المحقين أو عجز الإمام مع ظهوره عن تنفيذ أحكام الله تعالى مع ولاته ولم يقدر على عزلهم وخالفوا وفسقوا وانعزلوا بالظلم الذي يفسقون به أو ينعزلون عن الوكالة التي معهم منه بالمخالفة عمدا فيتولون بغير ولاية ولا يجد المؤمن الهجرة إلا إلى أظلم منهم ولا يقدر على هداية من انتقل إليهم وإلا وجب عليه الاتصال إليهم ليهديهم ولو هم أظلم.
पृष्ठ 307