وأما السمع: فآيات كثيرة منها: قوله تعالى: [ ] {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}[النساء:40][4ب] وذلك أن الظلم وهو الحكم على المظلوم بما لا يستحق قبح فانظر كيف نزه نفسه تعالى عن مثقال أصغر ما يرى من الأجسام منه وهي الذرة الحيوان، والذرة القطعة اليسيرة من التراب؛ وأخبر تعالى بأن عطف تعالى بقوله {وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت} أي: عليها {من لدنه أجرا عظيما} يعني تعالى وإن تك مثقال الذرة المذكورة حسنة أي: من الأفعال الحسنة بأن تكون من واجب أو مسنون أو ترك محظور تشتهيه الأنفس وتميل إليه، والمكلف يقدر عليه نعم وكانت الحسنة سليمة مما يحبطها من الإصرار على الكبائر بعد فعلها كالرياء، والسمعة صادرة مع الإيمان الصحيح، والتقوى والوفاء بأجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو مودته صلى الله عليه وآله وسلم ومودة أهل بيته وذريته وعترته -عليه وعليهم أفضل السلام- بالاتباع والتأسي واعتقاد ولاية العالم المؤمن منهم، وإمامته ظاهره وباطنه لأن العهد من الله تعالى وهو توليته له تعالى وجعله للناس إماما قد ناله بإيمانه وعلمه، قال تعالى في ذلك كذلك لإبراهيم عليه السلام [ ] {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}[البقرة:124] فقد ناله بصريح الآية؛ وإنما كان ذلك شرطا في قبول الحسنة ومضاعفة أجرها لقوله تعالى [ ] {إنما يتقبل الله من المتقين}[المائدة:27] وإنما كان قبولها مشروطا بتأدية مودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وذريته -عليهم السلام- لأنه لا يقبل عمل ولا يكون العبد متقيا مؤمنا إلا بذلك، وذلك -أعني مودته ومودتهم عليه وعليهم السلام- قد علمت من ضرورة الدين ولقوله -صلى الله عليه وآله وسلم:[ ] ((أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى))(1) وغير ذلك من الآيات والأحاديث. وغير المتبع فليس بمحب لقوله تعالى [ ] {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران:31] وغير المحب فلم يؤد المحبة التي هي المودة ومن لم يؤد المحبة التي هي الإتباع للمحسن منهم والتجاوز عن مسيئهم ولا ينسب إلى أحد منهم الإساءة التي توجب التبري في حق كلمه إلا بدليل قاطع فليس ذلك بمؤمن ولا متقيا لأنه إذا لم يؤد أجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو جائز لسيد البشر -صلى الله عليه وآله وسلم- غير متبع له، ومن لم يتبعه صلى الله عليه وآله وسلم فليس بمحبوب لله تعالى، ومن لم يتبع فليس بمحب لأن الله جعل الإتباع دليلا على المحبة بقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران:31] ومن لم يتبع لم يركب في السفينة التي كسفينة نوح، ومن لم يكن راكبا فيها فهو غارق هالك، والهالك فليس بمؤمن ولا متق.
قوله تعالى: [ ]{ يضاعفها} أي: أضعافا كثيرة لا انقطاع لها، وقد قال تعالى في آية: [ ] {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}[الأنعام:160] وقال تعالى في آية أخرى: [ ] {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة}[البقرة:261] وقال تعالى في آية أخرى: [ ] {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل}[البقرة:265] دلت هذه الآية على أن العمل ثوابه بحسب الموقع؛ فأهل الإخلاص الكثير من غير شائبة مع النية الصالحة لقوله تعالى: [ ]{ ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم} ومشقة العمل كالجهاد والإنفاق فيه وطلب العلم ونشره من العالم المجانب العامل للظلمة تكون الحسنة في ذلك مع الإخلاص بسبعمائة حسنة، وقد تكون بعشر أمثالها مع سهولة العمل أو عدم الإخلاص الكثير.
पृष्ठ 17