وبعد أن ساد السكوت بينهما عدة دقائق قالت له بصوت أضعفه البكاء: إنني مخطئة يا منصور، وعذري لديك هو ظني أنني أنهي المسألة بدون علمك اتقاء لغضبك وتوفيرا عليك.
فقال لها باللهجة الأولى: نعم هذا ما ظننت، ولكن الظن فاسد. ولو نظرت إذ ذاك إلى الواجب لا المراعاة لعرفت بأن واجبك الأول هو الذهاب إلى زوجك في أوقات ضيقك، وليس إلى ابن أختك؛ لأنه إذا حدث أمر على غير علم الزوج فأول من يطلع عليه يجب أن يكون ذلك الزوج، وأما إذا كان الأمر مع الزوج فإن أول من يطلع عليه من المرأة الفاضلة الوالدان، فما الذي منعك عن الإتيان إلي عوضا عن الذهاب إلى نسيب وأنت تعلمين حبي وحنوي؟ وما الذي سول لك كتمان الأمر عني وفؤاد ولدي كما هو ولدك؟
قالت: لا كلام لي أقوله إلا الكلام السابق، وما ترى كنت تفعل أنت لو كنت مكاني غير ما فعلت أنا؟
فقال بأنفة: لو كنت علمت بالأمر قبل ذهاب بديعة لكنت رضيت عن اقترانها بفؤاد. فنظرت إليه امرأته باستطلاع، ولما قرأت الجد بعينيه ووجهه وجدت حجة عليه فقالت: وهل ترضى بزواج فؤاد بفتاة فقيرة يتيمة ... بخادمة؟!
قال بهدوء: إن الخدمة ليست عارا؛ لأنها عمل محلل وكل عمل محلل شريف، فأنت وأنا وكل إنسان في العالم خادم لسواه. وأما اليتم فهو أمر يدعو إلى الاحترام لأنه مشيئة الله، وأما الفقر فهو أحقر هذه الأمور شأنا؛ لأن ثروة المرأة جمالها، وبديعة جميلة النفس والجسد، وقد أحبها فؤاد وأحبته والحب يبارك كل شيء، وتحلله في الحياة الزوجية المساواة الأدبية.
فقالت إذ ذاك ببرودة وقد نشفت دموعها: إنني لم أعرف قط بأنك غيرت مبدأك من أن عدم المساواة يجعل الزواج تعيسا. قال: إنني لم أزل على هذا المبدأ، أقول بأن الزواج بدون مساواة لا يكون قط سعيدا، ولكنني لم أقل بأن المساواة بالمال؛ لأن السعادة بنت الحب الصادق، وهذا ينتج عن المساواة بالأخلاق والمشارب والأذواق، ولا أظنك تنكرين هذا ولما تزوجتك كنت مع أمك وأختك تشتغلن لمعيشتكن، ولكني لم أبال بهذا؛ لأنني أحببتك ورأيت بأن ثروة تهذيبك وجمالك تفوق ثروة مالي، فلم تفضليني ولم أفضلك بشيء وكانت حياتنا أسعد من كل حياة بين أصدقائنا كما تعلمين.
ولما سمعت كلامه نسيت موقفها وأنها مذنبة وقالت له بغضب: إنك تحتقرني بتشبيهك إياي ببديعة!
فقال ببرودة: إن بديعة فتاة مهذبة شريفة النفس، فإذا شبهتك بها لا أكون احتقرتك، ولكنني رمت أن أذكرك بالآية الذهبية التي هي: «اعمل بالناس كما تريد أن يعمل الناس بك.» وأنها ليست معروفة حتى عند سيدة تدعي التهذيب والفضل نظيرك. قال هذا وخرج من غرفتها غاضبا، وبقيت هي تنظر إليه ولا تتجرأ على أن تتبعه أم ترجوه الرجوع.
بقيت تلك السيدة المتعظمة طول ذلك المساء وحدها بدون عشاء وبعد أن راجعت قصتها وجدت نفسها مخطئة نحو زوجها وولدها ونحو نفسها أيضا، فمشت بقدم مرتجفة إلى مكتبة زوجها، فوجدته جالسا على كرسي يقرأ جريدة، ولما دخلت لم يكترث لها قط فجلست على كرسي آخر بدون كلام، وبعد أن انقضت على دخولها دقائق قامت وتقدمت إليه وجثت على ركبتيها طالبة الصفح والمساعدة.
فقال لها: إنك تطلبين مساعدتي الآن لأن نسيبا غائب، وما كنت تهتمين بالأمر لو كان موجودا، ولكن الحق أقول لك بأن نسيبا خائن، وقد حثك على طرد بديعة وإبعادها عن فؤاد؛ لأنه هو يحبها .
अज्ञात पृष्ठ