فأجابت لوسيا بإعجاب: إنني ذاهبة إلى حفلة رقص حافلة مع سليم.
فاضطرب قلب بديعة من جوابها، وقالت لها بحزن وهي تقدم كرسيا لتجلس عليه بجانبها: آه يا لوسيا، إنني لو علمت بأن محبتنا - والتي هي ثمرة خمس عشرة سنة من المعاشرة - ستتحول إلى بغض في أمريكا لما دخلتها قط.
فرفعت لوسيا نظرها إليها وقالت ببرودة: ما دعاك إلى هذا الكلام يا بديعة؟
أجابت بديعة بحزن شديد: دعاني إليه ما أراه في كل يوم، من نفورك مني وإعراضك عني واشمئزازك من نصائحي التي كنت ترتاحين إليها قبل الآن.
فأجابت لوسيا بكبرياء ونفور: إنني لا أبغضك قط، ولكنني أعرض عن استماع نصائحك؛ لأنني فتاة قد علمتني أمريكا الاستقلال والحرية فصرت بغنى عنها، ولا يخفى عليك يا بديعة أن حكم نفس على نفس من أصعب الأمور ...
فتنهدت بديعة وقالت: إن النصيحة خدمة لا حكم يا عزيزتي، ولعمري إنه من المدهش انقلابك حتى صرت ترين الصداقة وما ينتج عنها من الغيرة عبودية؛ ولذلك ترومين الاستقلال كما قلت. وما هكذا تفعل جميلة التي تقبل نصائحي وأقبل نصائحها، وتحبني من عشرة شهور أكثر مما تحبينني أنت من عشر سنين.
فقالت لوسيا مبتسمة باستخفاف: إنني أهنئك بمحبتها، أما أنا فمع أنني لا أبغضك فلا أرى نفسي محتاجة إلى إرشادك؛ لأنني أعرف مثلك كيف أسلك الطريق القويمة.
فأثار هذا الكلام غضب بديعة، ولكنها تسلطت بقوة عقلها على إرادتها وكظمت غيظها، وقالت للوسيا بلطف بعد أن تقدمت إليها لئلا يسمعها أحد: وهل ذهابك في هذه الليلة مع شاب غريب - ليس لك في عشرته غير أيام - إلى حفلة «عمومية»، وكل من فيها غريب عنك، برهان على سلوك «الطريق القويمة»؟
فابتسمت لوسيا وهي تنظر إلى مروحتها الثمينة، وقالت: وأي بأس من هذا وأنا فتاة عزباء وهو شاب عزب؟ أوليست هذه هي العادة في هذه البلاد؟
وكانت برودة هذه الفتاة الجاهلة تزيد في حدة وغيظ بديعة أكثر من كلامها، ولكنها كظمت غيظها هذه المرة أيضا وقالت بلطف كالأول: هلا من بأس على فتاة جميلة نظيرك تذهب مع شاب غريب ليلا وتختلط بأناس لا تعرف أحدا منهم، ولا تعرف عن المحل شيئا، وهلا من بأس من تقولات الناس، لا سيما نحن السوريين الذين نحافظ على قاعدة الحشمة ونأبى ضم بعض هذه العوائد المتطرفة إلى آدابنا! أوليس من بأس عليك متى أحدثت للناس شكوكا وكنت حجر عثرة في سبيل حشمة الفتيات نظيرك، قلت بأن هذه العادة المتطرفة هي من عوائد الأمريكان! ولكن أنا أقول لك بأنها من عوائد الطبقات المنحطة منهم؛ لأن المرأة المهذبة من هذا الشعب لا تذهب إلى محل رقص عمومي ما لم تعرف عنه شيئا، ولا تذهب بدون أمها أو أبيها أو أخيها أو زوجها أو الشاب الذي تكون خطبته لها معروفة ومقررة. فأين أنت من كل هذا يا لوسيا؟ وما بالك قد ارتحلت إلى الأمور التي كنت تنكرينها في الوطن وكنت مصيبة؟ فإذا كنت قد ألفت الحرية الضارة حتى لا تكترثين لهذه الأمور التي تقتلع أصول الحشمة والصيانة من قلب المرأة؛ فإن بني وطنك يرونها بصورتها القبيحة، وسوف تندمين يا عزيزتي على إضاعة أيام الصبا بأمور هي مرارة أيام الشيخوخة.
अज्ञात पृष्ठ