وكتب الوزير أبو مروان بن الجزيري إلى المنصور أبي عامر بن أبي عامر، وهو بأرملاط، عن بهار العامرية في كانون الأول الكائن في سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة: بسم الله الرحمن الرحيم "أطال الله بقاء المنصور مولاي، وأدام عزه، وهنأه سروره، وسوغه نعمه عنده، إني_أيد الله المنصور مولاي_لما استقلت زهرتها مائلة قضبي، وتنبهت من سنتها نائمة جفوني، ونمت بعطرها ساطعة روائحي، وافترشت ديباج حديقة بكر وسميها، وتتابع وليها، فالتقى ثرياها، وأخذت الأرض زخرفها، وازينت وطاب صعيدها حتى كأن ترابها فتيت المسك، أو سحيق الكافور، [عن لي زهو بحسني وارتياح لحالي، وإعجاب بمكاني]، وشاركت ذلك دواعي هزة الشوق إليك، وشواجي لوعة البعد عنك حين فارقت محلي، وآثرت بالزيارة غيري فحركن مني ساكنا، وبعثن لي على مناجاة الشعر خاطرا. فأجابني منه ما ضمنته غرائب وصفي، وأهديته إلى مولاي مع محاسن شخصي الذي هو غرس همته، وابن نعمته، لعل فعلي أن يوافق منه قبولا، ويقسم لي من حسن تذكره نصيبا بواسع تفضله وسابغ تطوله، وكريم تحاوره". والشعر: [الكامل]
حدق الحسان تقر لي وتغار ... وتضل في صفة النهى وتحار
طلعت على قضبي عيون كمائمي ... مثل العيون تحفها الأشفار
وأخص شيء بي إذا شبهتني ... درر تنطق سلكها دينار
أهدت له قضب الزمرد ساقه ... وحباه أنفس عطره العطار
أنا نرجس حقا بهرت عقولهم ... ببديع تركيبي فقيل: بهار
إني لمن زمن الربيع تربني ... قطع الرياض وتلقح الأمطار
فأكون عطرا للأنوف ومنظرا ... بهجا تهافت نحوه الأبصار
وتحية بين الندام تحث لي ... نخب الكؤوس وتنطق الأوتار
وأقل جود العامري محمد ... ألف حكت حدقي وتلك نضار
عشر تعد من المئين لأنمل ... عشر يصرفها وهن بحار
قوله: "ألف حكت" إنما أنث الألف لصرفها إلى الدراهم، وأما الألف فمذكر. ولا يحتاج إلى ذكر أكثر من هذا المدح، كما لا يحتاج إلى إطراء النظم والنثر بأكثر من أنهما حلال في السحر. ومن الحسن السري قول أبي عمر القسطلي يصفه في قطعة موصولة بمدح المظفر بن أبي عامر، وهي: [المتقارب]
دعيت فأصغ لداعي الطرب ... وطاب لك الدهر فاشرب وطب
وهذا بشير الربيع الجديد ... يبشرنا أنه قد قرب
بهار يروق بمسك ذكي ... وصنع بديع وخلق عجب
غصون الزمرد قد أورقت ... لنا فضة نورت بالذهب
إذا جمعت في الجبال الحرير ... وقامت أمامك مثل اللعب
فمن حقها أن ترى الشاربين ... وقد نفقت سوقهم بالنخب
وأن يسألوا الله طوال البقاء ... لعبد المليك مليك العرب
فلولا مجالسه لم ترق ... ولولا شمائله لم تطب
وأنشدني الفقيه أبو الحسن بن علي للفقيه أبي عثمان بن البر قريبه: [الطويل]
ألا فاسقني روح النفوس وأنسها ... ولين بماء المزن في المزج مسها
وشعشع لنا شمس الشمول ببدرها ... وأجر علينا بالمسرة كأسها
فأنت ترى أقمار نرجس روضنا ... خلاف السماويات جاوزن شمسها
محاسن لو دانت أخا العي باقلا ... إذا بذ سحبان البرايا وقسها
وأنشدني [لنفسه فيه] الوزير أبو عامر بن مسلمة قطعة غريبة التشبيهات عجيبة الصفات، وهي: [مخلع البسيط]
قد جاءنا رائد الربيع ... بمنظر رائق بديع
هو البهار الذي تعلى ... وجل في حسنه الرفيع
كأنه مقلة تشكى ... إلى الحيا قلة الهجوع
أكف كافورة قد أومت ... بكأس تبر إلى الربيع
أو شعلة النار وسط ماء ... جسد من ثوبه النصوع
وله فيه قطعة توازي هذه جمالا، وتضاهيها كمالا كتب بها إلى أبي_وقاه الله بي_وبعث معها بهارا مبكرا: [المتقارب]
أيا ماجدا لم يزل جوده ... يلوح كما لاح ضوء النهار
ويا من أحل بأمواله ... سماحا أخل بصوب القطار
بعثت إليك بنور البهار ... حكى فضة حول محض النضار
هو الدر نظم من بينه ... يواقيت فاقعة الاصفرار
أو الماء صير من فوقه ... إذا ما تأملته ضوء نار
نهار ولكنه باهر ... فعوض من ذاك باسم البهار
كما بهرت منك سيما باهر ... فألبست البدر ثوب السرار
1 / 28