فاقض بالفضل للوفاء على الغد ... ر تكن إن حكمت أعدل قاض
ومن السحر الحلال، المستوفي نهاية الكمال، قول ذي الوزارتين أبي عمرو عباد_أعزه الله_وقد دخل بستانا لي اكتسبته من نوافل كرمه وسوابغ نعمه، فرأى ياسمينا فيه فقال بديهة: [المنسرح]
كأنما ياسميننا الغض ... كواكب في السماء تبيض
والطرق الحمر في جوانبه ... كخد عذراء ناله عض
شبه النور بالكواكب، وخضرة ورقه بخضرة السماء، ولم أسمع لأحد قبله وصف حمرته وهي تكثر عند قلة الياسمين في زمن الشتاء وتقل عند كثرته. وللوزير أبي عامر بن مسلمة فيه وصف رائق، وتشبيه رائع، وصله بمدح ذي الوزارتين المذكور_أعزه الله وأسبغ عليه نعماه_وهو: [الرمل]
وذكي العرف لاقا ... نا على كرسي ملكه
أرضه الخضراء بحر ... نوره فيه كفلكه
ياسمين قد غدت أن ... وارنا طوعا لملكه
طوع حر الشعر عبا ... دا وقد أومى لسلكه
ماجد ينقاد منه ال ... أدب الغض لملكه
ماله يوقن منه ... ومناويه بهلكه
ومن المعاني الدقيقة في الألفاظ الأنيقة ما أنشدنيه [لنفسه فيه] الوزير الكاتب أبو الأصبغ بن عبد العزيز وهو: [المنسرح]
وياسمين بعرشه أشرف ... عرفه العرف قبل أن يعرف
تكامل الطيب والجمال له ... فهو من الفضل فوق أن يوصف
كأنما خلقه البديع إذا ... تزاحم النور قبل أن يقطف
سرير ملك عليه مشملة ... خضراء والقطن فوقها يندف
ومن التشبيه السري والتمثيل السني، قول الفقيه أبي الحسن بن علي وشبه مجلس الأنس بالحرب وهو: [الوافر]
وشرب أدلجوا للأنس لما ... اصيغ على يد الشجر الذمار
سرت بهم إلى ثغر التصابي ... ركاب لا يخاف لها عثار
فخلوا آمنين على الأماني ... فكان لهم من الشجر انتصار
عريش الياسمين لهم سماء ... وخضرة أرضه لهم قرار
به حجف من النوار بيض ... مفضضة وأرماح صغار
فوجه نهارهم بالظل ليل ... وليلهم بأنجمه نهار
فإن أوحشت من شمس تبدت ... عليك بشمس كفرها العقار
وما شهد الكرام وغى كحرب ... جراح المقصدين بها جبار
قوله: جبار: أي لا دية فيها ولا مطالبة بها. وقوله: به حجف، الحجف صغار الترسة. وأرماح صغار: يعني النواوير المتعلقة منه أول ما تبدو. ومن الصفات السرية وصف صاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية وهو: [الوافر]
وأبيض ناصع صافي الأديم ... تطلع فوق مخضر بهيم
نزيه النفس همته المعالي ... ذكي العرف مسكي النسيم
فلست تراه إلا عند ملك ... وإلا عند خاصي كريم
شاى النوار فارتفع اعتراشا ... عليه كهيئة الملك العظيم
كأن ثماره المجني منها ... سماء قد تحلت بالنجوم
وأنشدني لنفسه فيه أبو علي إدريس بن اليمان قطعة حسنة التشبيه وهي: [الوافر]
أمير النور يأمرني بشرب ... ولست أطيق عصيان الأمير
فخذ كأس السرور فاسقنيها ... على ود الأمير على السرير
نجوم من لجين تجتليها ... سماء زبرجد خضل نضير
تزيد على الأقاحي في ابتسام ... كما زاد الكبير على الصغير
وينخفض الشذا المسكي عنها ... كما انخفض الصغير على الكبير
قال أبو الوليد: هذا ما وقع إلي في الياسمين البستاني وعثرت على قطع في الياسمين البري وهو الظيان، وليس يبقى مدة العام، إنما هو ربيعي، ولكن قدمته على الربيعية لتسميه باسم المتقدم، وانتسابه إليه، واشتباهه به، فوصلت ذكره بذكره. وما قيل فيه مما قيل فيه مع أن وصفه لم يكثر، وذكره لم يتكرر، فليس يحتمل إفرادا وإنما يجب أن يكون تبعا لهذا، وخلق شجره ونوره كخلق البستاني إلا أن نوره أصغر. فمن أطبع ما قيل فيه وأبدعه، وأعلى ما شبه به وأرفعه أبيات لذي الوزارتين القاضي الجليل المنقطع المثيل أملها علي وهي: [الطويل]
ترى ناضر الظيان فوق غصونه ... إذا هو من ماء السحائب يغتذي
وحفت به أوراقه في رياضه ... وقد قد بعض مثل بعض وقد حذي
كصفر من الياقوت يلمعن بالضحى ... منضدة من فوق قضب الزمرذ
وله_أعلى الله ذكره وأيد أمره_في صفرته خاصة تشبيه بديع، وتمثيل رفيع [أمله علي]، وهو: [المنسرح]
1 / 26