وأن استحقاق البليد هذا الاسم ليس كاستحقاق البهيمة، فالبهيمة تستحق هذا الاسم لكونه موضوعًا لها، والبليد يستحقه لأنه شابهها، فاستحق اسمها- دلَّ عليه أن قائلًا لو قال "رأيت حمارًا" فهم منه البهيمة المخصوصة دون البليد، ولو كان الاسم موضوعًا لهما لكان لا يسبق إلى فهم السامع عند الإطلاق أحدهما دون الآخر.
فإن قيل: لما كانت الحقائق تعم المسميات، فلماذا تجوزوا بها عن محالها- قلنا لوجوه:
منها -أن في المجاز من الفصاحة والمبالغة في الوصف ما ليس في الحقيقة- ألا ترى أنه متى وصفنا الرجل البليد بأنه حمار، كان أبلغ في الإبانة عن معنى البلادة، من وصفنا له بأنه بليد.
ومنها- أن المجاز قد يكون بضرب حذف، فيستعمل طلبًا للتخفيف.
ومنها- أن الطباع قد تنفر عن بعض المعاني، فيتجافى الناس عن التصريح بذلك، فيكنون عنه باسم غيره، كالحدث المكني عنه باسم الغائط.
وغير ذلك.
وأما الاختلاف في العبارة:
فبأن سلموا أن أهل اللغة استعملوا اسم الحمار في البليد وأن اسم الحمار غير موضوع للبليد، فاستحقاق البليد لهذا الاسم ليس كاستحقاق البهيمة. لكنهم قالوا: إذا عنى به البليد [فـ] لا نسميه مجازًا، بل نسميه مع القرينة حقيقة- فنقول لهم: لما سلمتم معنى المجاز، لم امتنعتم من تسميته مجازًا؟
1 / 25