فتابعنا السير وإذا بنا نسمع صوتا هاتفا: «هو ذا البحر العميق، هو ذا البحر الهائل العظيم».
فبحثنا عن مصدر الصوت فرأينا رجلا واقفا مديرا ظهره إلى البحر وقد وضع صدفة على أذنه وهو يصغي إلى دمدمتها.
فقالت لي نفسي: «سر بنا فهذا هو الدهري الذي يدير ظهره إلى كليات لا يستطيع الإحاطة بها، ويشغل ذاته بجزئيات تستميل كليته».
فسرنا إلى أن رأينا في معشبة رجلا بين الصخور وقد دفن رأسه في الرمال.
فقلت لنفسي: «هلمي يا نفس نستحم ها هنا، فهذا الرجل لا يستطيع أن يبصرنا».
فهزت نفسي رأسها قائلة: «لا وألف لا، إن من تراه هو شر الناس أجمعهم؛ هو التقي النقي الذي يحجب نفسه عن مأساة الحياة، فتحجب الحياة مسراتها عن نفسه».
حينئذ ظهر على وجه نفسي حزن عميق، وبصوت تقطعه المرارة قالت: «لنذهبن من هذه الشواطئ. فليس هنا مكان خفي محجوب نستطيع أن نستحم به. وأنا لا أرضى أن أسرح غدائري الذهبية في هذه الريح، أو أن أكشف صدري البض أمام هذا الفضاء، أو أن أتجرد وأقف عارية أمام هذا النور».
فغادرت ونفسي ذلك البحر العظيم، وسرنا ننشد البحر الأعظم.
في سنة لم تكن قط في التاريخ
... في تلك الدقيقة ظهرت من وراء أشجار الصفصاف صبية تجر أذيالها على الأعشاب ووقفت بجانب الفتى النائم ووضعت يدها الحريرية على رأسه فنظر إليها نظرة نائم أيقظه شعاع الشمس، فرأى ابنة الأمير واقفة حذاءه فجثا على ركبتيه مثلما فعل موسى عندما رأى العليقة مشتعلة، ولما أراد الكلام أرتج عليه فنابت عيناه الطافحتان بالدمع عن لسانه.
अज्ञात पृष्ठ