105

واعلم ان المصنف قد اشار فى هذا الكلام إلى رد أقوال المنكرين بعموم علمه تعالى.

منهم من قال انه تعالى لا يعلم ذاته ، لأن العلم نسبة والنسبة تقتضى تغاير المنتسبين ولا تغاير بين الشيء وذاته.

وأجيب عنه ، بانا لا نسلم كون العلم نسبة محضه ، بل هو صفة حقيقية ذات نسبة إلى المعلوم ، ونسبة الصفة الى الذات ممكنة.

أقول : فيه نظر ، لأن العلم وإن لم يكن نسبة محضة بين العالم والمعلوم ، لكنه يستلزم نسبة بينهما ، سواء كان المعلوم عين العالم أو غيره وهو كون العالم عالما لذلك المعلوم ، ولا شك ان هذه النسبة معتبرة بينهما بالذات لا بالعرض كما توهم ، فلا يجوز ان يكونا متحدين.

فالصواب فى الجواب أن يقال : التغاير الاعتباري بين المنتسبين كاف فى تحقق النسبة كما بين الحد التام والمحدود ، على أنه لو صح ما ذكره لزم أن لا يكون النفس الإنسانية أيضا عالمة بذاتها بعين ما ذكره ، مع ان ذلك بديهى البطلان فتأمل.

ومنهم من قال انه تعالى لا يعلم غيره مع كونه عالما بذاته ، وذلك لأن العلم صورة مساوية للمعلوم ومرتسمة فى العالم ولا خفاء فى أن صور الأشياء المختلفة مختلفة فيلزم بحسب كثرة المعلومات كثرة الصور فى الذات الأحدى من كل وجه.

وأجيب عنه بما سبق من أن علمه تعالى بالأشياء ليس بار تسام صورها فيه بل بحضورها أنفسها عنده.

اقول : يمكن أن يجاب بمنع كون العلم صورة مساوية للمعلوم ، لجواز أن يكون صورة مشتركة بينه وبين غيره كما فى العلم بشيء بوجه أعم منه ، وبما ذكره بعض المحققين من الفرق بين حصول الصورة فى الذات المجردة وبين قيامها بها ، وبمنع كونه تعالى أحديا من كل وجه فتوجه ، على إنه لو تم لدل على امتناع كونه تعالى عالما بذاته أيضا على ما لا يخفى.

ومنهم من قال انه تعالى لا يعلم الجزئيات المادية من حيث هى جزئيات بل بوجوه

पृष्ठ 111