ولكن الألفية! وما أدراك ما الألفية؟! وحسبك أن سيدنا لا يحفظ منها حرفا، وحسبك أن العريف لا يحسن أن يقرأ الأبيات الأولى منها، والألفية شعر، وليس في المصحف شعر.
الحق أنه ابتهج بهذا البيت:
قال محمد هو ابن مالك
أحمد ربي الله خير مالك
ابتهاجا لم يشعر بشيء مثله أمام أي سورة من سور القرآن.
الفصل الثالث عشر
وكيف لا يبتهج وقد أحس منذ اليوم الأول أنه ارتفع درجات؛ أصبح «سيدنا» لا يستطيع أن يشرف على حفظه للألفية، ولا أن يقرئه إياها، بل ضاق الكتاب كله بالألفية، وكلف الصبي أن يذهب في كل يوم إلى المحكمة الشرعية؛ ليقرأ على القاضي ما يريد أن يحفظه من الألفية. القاضي عالم من علماء الأزهر، أكبر من أخيه الأزهري، وإن كان أبوه لا يؤمن بذلك، ولا يرى أن القاضي يكافئ ابنه، هو على كل حال عالم من علماء الأزهر، وهو قاضي الشرع - بقاف ضخمة وراء مفخمة - وهو في المحكمة لا في الكتاب، وهو يجلس على دكة مرتفعة، وقد وضعت عليها الطنافس والوسائد، لا تقاس إليها دكة سيدنا، وليس حولها نعال مرقعة، وعلى بابه رجلان يقومان مقام الحاجب، ويسميهما الناس هذا الاسم البديع، الذي لم يكن يخلو من هيبة: «الرسل».
نعم، كان يجب على الصبي أن يذهب إلى المحكمة في كل صباح، فيقرأ على القاضي بابا من أبواب الألفية، وكم كان القاضي يحسن القراءة! وكم كان يملأ فمه بالقاف والراء! وكم كان صوته يتهدج
1
بقول ابن مالك:
अज्ञात पृष्ठ