ثم بدأ يقرئه القرآن من أوله، شأنه مع من لم يكن شيخا ولا حافظا.
الفصل السابع
وليس من شك في أنه حفظ القرآن بعد ذلك حفظا جيدا في مدة قصيرة جدا، فهو يذكر أنه عاد من الكتاب ذات يوم مع سيدنا، وكان سيدنا في هذا اليوم حريصا على أن يعود معه، حتى إذا وصلوا إلى الدار عطف عليها سيدنا فدفع الباب فاندفع له، وصاح صيحته المألوفة: «يا ستار!» وكان الشيخ كعادته في المنظرة قد فرغ من صلاة العصر. فلما استقر سيدنا في مجلسه، قال للشيخ: «زعمت أن ابنك قد نسي القرآن، ولمتني في ذلك لوما شديدا، وأقسمت لك إنه لم ينس وإنما خجل، فكذبتني وعبثت بلحيتي هذه، وقد جئت اليوم لتمتحن ابنك أمامي، وأنا أقسم: لئن ظهر أنه لا يحفظ القرآن لأحلقن لحيتي هذه، ولأصبحن معرة الفقهاء في هذا البلد.» قال الشيخ: «هون عليك! وما لك لا تقول: إنه نسي القرآن ثم أقرأته إياه مرة أخرى!» قال: «أقسم بالله ثلاثا ما نسيه ولا أقرأته، وإنما استمعت له القرآن، فتلاه علي كالماء الجاري، لم يقف ولم يتردد.»
وكان صاحبنا يسمع هذا الحوار،
1
وكان مقتنعا أن أباه محق وأن سيدنا كاذب، ولكنه لم يقل شيئا، ولبث منتظرا الامتحان.
وكان الامتحان عسيرا شاقا، ولكن صاحبنا كان في هذا اليوم نجيبا بارعا، لم يسأل عن شيء إلا أجاب في غير تردد وقرأ في إسراع، حتى كان الشيخ يقول له: «على مهلك فإن الكر في القرآن خطيئة.» حتى إذا أتم الامتحان قال له أبوه: «فتح الله عليك! اذهب إلى أمك فقل لها: إنك حفظت القرآن حقا.» ذهب إلى أمه ولكنه لم يقل لها شيئا ولم تسأله هي عن شيء، وخرج سيدنا في ذلك اليوم، ومعه جبة من الجوخ خلعها عليه الشيخ.
الفصل الثامن
وأقبل سيدنا إلى الكتاب من الغد مسرورا مبتهجا، فدعا الشيخ الصبي بلقب الشيخ هذه المرة قائلا: أما اليوم، فأنت تستحق أن تدعى شيخا؛ فقد رفعت رأسي وبيضت وجهي وشرفت لحيتي أمس، واضطر أبوك إلى أن يعطيني الجبة، ولقد كنت تتلو القرآن أمس كسلاسل الذهب، وكنت على النار مخافة أن تزل
1
अज्ञात पृष्ठ