قال الفتى: سأحاول السفر إلى فرنسا لأدرس الفلسفة أو التاريخ.
قال الأمير: إياك والفلسفة! فإنها تفسد العقول!
وكان الإنكار قد ظهر على وجه الفتى، فمضى الأمير قائلا: بل هي لا تفسد العقول وحدها، ولكنها تفسد الذوق أيضا؛ لقد ذهبت إلى باريس منذ سنتين، واستقبلني الطلاب المصريون هناك، وكانوا جميعا حاسري الرءوس في أيديهم قلانسهم إلا واحدا منهم كان حاسر الرأس كزملائه، ولكنه لم يكن يمسك قلنسوة وإنما كان يمسك طربوشا في يده ... فلما سألت عن هذا الفتى أنبئت بأنه منصور فهمي، وبأنه يدرس الفلسفة، فعلمت أن الفلسفة قد أفسدت عليه عقله وذوقه جميعا، فصاحب الطربوش لا يرفعه عن رأسه ولا يأخذه بيده حين يلقى الخديو، وصاحب القلنسوة لا يتركها على رأسه وإنما يأخذها بيده في مثل هذا المقام، ولكن صاحبنا كان يدرس الفلسفة!
ثم أغرق في ضحك متصل، والفتى مغرق في الوجوم.
فلما سكت عنه الضحك، قال وهو يضع يده على ركبة الفتى: ستسافر إلى فرنسا، ولكن لا تدرس الفلسفة وعليك بالتاريخ فإنه علم عظيم.
ثم أعرض عن الفتى وأخذ يتحدث إلى شفيق باشا في رطانة تركية لم يفهم منها الفتى قليلا ولا كثيرا، ووقف بعد دقائق، فوقف الفتى وصحبه شفيق باشا إلى خارج الغرفة حيث كان ينتظره صديقه ذاك.
فودعه شفيق باشا وأسلمه إلى صاحبه وعاد هو إلى الأمير.
وانسل الصديقان من القصر، لا يحفل بهما أحد ولا يلتفت إليهما أحد، وخرجا من القصر فلم يجدا عربة تنتظرهما، وإنما مضيا أمامهما يقص الفتى على صديقه حديث الأمير إليه، والصديق يضحك، ثم يقول: هلم إلى مكتب التلغراف لننبئ الجامعة بانتهاء المقابلة، ثم نخلص لأنفسنا.
قال الفتى: فسننبئ الجامعة غدا حين نعود.
قال الصديق: اسكت يا أحمق، فإن هذه البرقية ستكون أعظم خطرا وأبعد أثرا من المقابلة نفسها، سيقرؤها أعضاء مجلس الإدارة، وستقضي على ترددهم في إرسالك إلى فرنسا.
अज्ञात पृष्ठ